حول القيمة
حول القيمة
إن أهمية القيم لا يغفل عنها أي إنسان في أي عصر، ولكن لما كان إنسان العصر الحديث تحت تهديد مستمر بسبب سرعة تغيُّر العالم من حوله، فإن ما ورثه من ثقافات أصبح معرضًا للاختبار في كل وقت.
ومن أهم سمات القيم في هذا العصر هي كونها متعدِّدة ومتعارضة نظرًا إلى الاختلاف بين المُثُل العليا وما صار عليه الواقع، ومن هنا يأتي دور الفلسفة للبحث في هذا الموضوع متجرِّدة من هذه المتعارضات ومن كل آثار للواقع.
تعدُّ نظرية القيمة كمبحث مستقل من النظريات الحديثة، أما من حيث الحديث عنها والتعرض لها فإن كتب الفلاسفة القدامى لا تخلو من حديث عنها، على سبيل المثال: أفلاطون يبني الجمهورية الفاضلة التي يطمح إليها على أساس قيمة عليا وهي الخير، وكذلك أرسطو يبني سياسة الدولة على أساس قيمة عليا وهي العدل، أما الفلسفة الحديثة فقد أفردت موضعًا مستقلًّا للبحث في هذه النظرية.
اختلفت مسائل القيمة وتعدَّدت مباحثها، فبعض الفلاسفة عاملوا القيمة كموضع انطلاق وأساس إلى نظرياتهم، ومنهم من تضمَّنت بعض نظرياتهم الحديث عنها، ومنهم من أشاروا إليها عرضًا في بعض كتاباتهم.
فما المسائل التي تعرض لها هذا المبحث؟ أولى هذه المسائل كون القيمة وسيلة إلى غاية، أم هي غاية في ذاتها؟ أمَّا عن المسألة الثانية فهي كون القيم ذاتية أم أنها وضعية من صنع البشر؟ وأخيرًا هل هي مطلقة
لا تتغيَّر أم أنها نسبية تخضع للتغيير؟ هذه هي الأسئلة الرئيسة التي تحدِّد طبيعة القيمة.
ولكي نستطيع الإجابة على هذه الأسئلة علينا في البداية التعرُّف على المواقف المختلفة حول طبيعة القيمة.
الفكرة من كتاب نظرية القيم في الفكر المعاصر
في ظلِّ هذا الكون الفسيح يتقاسم الإنسان إحساسًا بضآلته داخل هذا الكون، ويشعر بكونه ملقًى في الهواء لا يجد ما يتمسَّك به، ومع ذلك يراوده إدراك بأن له دورًا في هذا الكون ليقوم به، فلا يملك هذا الإنسان إلا أن يتمسَّك بشعاع النور، وهو القيَم لعلَّه يجد ما يحيا من أجله في هذا الكون.
فماذا تعني هذه القيم؟ وماذا كانت آراء من قاموا بتفسير طبيعة القيم والمسائل التي تتعلَّق بها قديمًا وحديثًا؟ وهل القيم من صنع البشر أم أن وجودها يأتي من خارج هذا العالم؟ وهل القيم مجرد وسيلة إلى غاية أعظم منها أم أنها غاية تُطلَب لذاتها؟
ومن خلال آراء من قام بمحاولة الإجابة على هذه التساؤلات، سنجد من يغوص داخل النفس الإنسانية باعتبارها محلًّا للقيم، ومن يبحث في المجتمعات باعتبارها موضع أثر هذه القيم، ومن يبحث في الطبيعة باعتبار كون الإنسان جزءًا منها، ومن يبحث فيما وراء الطبيعة بحثًا عن معانٍ لا تدرك بالحواس، وإنما تدرك بالعقل والفكر.
يُحدِّثنا الكتاب حول طبيعة القيمة، والمواقف والآراء المختلفة التي قيلت فيها، ويجيب في النهاية عن بعض الأسئلة المهمة التي تتعلَّق بموضوع القيمة.
مؤلف كتاب نظرية القيم في الفكر المعاصر
صلاح قنصوة: مفكر وفيلسوف مصري، ولد في القاهرة عام 1936م، حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة القاهرة، وعمل رئيسًا لقسم الفلسفة في جامعة الزقازيق، كما حصل على دكتوراه في مناهج البحث من دولة النرويج.
أعطى اهتمامه الأكبر في مؤلفاته إلى علم الفلسفة، ويعدُّ الكتاب الذي في أيدينا من أهم الكتب التي ألَّفها، وله عدة مؤلفات أخرى مثل: “كتاب فلسفة العلم”، و”اغتراب العلم”، و”في فلسفة الفن”، و”العلم والدين وأسلمة العلم”، إلى غير ذلك من المؤلفات الفلسفية الأخرى.