حلول تُستنفد وثقة منعدمة لهيمنة السلطة!
حلول تُستنفد وثقة منعدمة لهيمنة السلطة!
وفي خضم هذا التطور المتسارع لتكنولوجيا المراقبة رأى الخبير في علم المستقبل والفيزياء الفلكية ديفيد بريين حلًّا يمكن أن يكون ديمقراطيًّا نوعًا ما، وهو أن تكون المراقبة من الجميع للجميع وليست من الفرد أو السلطة للجميع، حيث من المفترض التخلُّص من المعلومات التي تنتج علاقات القوة والهيمنة، وعلى الرغم من أنه حل ناقص، فإنه لن يُرضي طرف السلطة كذلك، إذ تهتم السلطة بالشفافية على من تراقبه لا على نفسها، فالسلطة ببساطة تنشد الكتمان لحماية نفسها.
وإذا تفكَّرنا قليلًا نجد أن من يُطالب بالشفافية دائمًا ما يُنحِّي الثقة جانبًا ويهتم فقط بالمعلومات، فالشفافية لا تتفق مع الثقة بل تفكِّكها وتدمرها، والثقة ببساطة هي شيء وسط بين المعرفة واللامعرفة وتشير إلى إقامة علاقة إيجابية مع الآخر حتى مع قلة المعرفة، إذ تظل به القدرة على تنفيذ الأمور قائمة، أما الشفافية فتشترط إزالة كل عائق أمام المعرفة وعلى هذا الشرط نجد أنها لا تلقِي بالًا إلى الثقة، وبمعنى أوضح فالإنسان الذي يثق بمن حوله لا يطلب منهم الشفافية المطلقة، وكذلك المجتمع والسلطة، وعلى ذلك نجد علاقة وثيقة بين الشفافية والشك.
وبالعودة إلى تجربة بنتام، فقد كان لمشروع المراقبة الكلية دافع أخلاقي يوجَّه إلى الإصلاحات الأخلاقية، أما الشفافية القهرية المهيمنة اليوم فلم يعد لها أي ضرورة أخلاقية واضحة، فالبشر ببساطة جعلوا أنفسهم كالزجاج الشفاف مستسلمين تمامًا لأي انتهاك للخصوصية والاستغلال، وشبكات التواصل الاجتماعي التي تُعرض كونها مساحات مفتوحة للحرية، فيتحوَّل مفهوم الحرية إلى كونه شكلًا من أشكال السيطرة!
الفكرة من كتاب مجتمع الشفافية
“أعيش فقط على ما لا يعرفه الآخرون عني”، هكذا يقول الأديب بيتر هاندكه، ، ثم نرى المفكر نيتشه يدعو إلى ضرورة امتلاك الإنسان لإرادة الجهل، حتى ولو بهدف اتخاذ القرار الأفضل، ولكن أي جهلٍ يقصده هنا؟ وما علاقة كل هذا بالشفافية التي أصبحت عنوان عصرنا الحالي حيث ينكشف هذا المقدار الضخم من المعلومات أمام وسائل التواصل والتكنولوجيا الحديثة، وأصبح البشر فيه كالزجاج الشفَّاف يتجرَّدون شيئًا فشيئًا من صفاتهم المُثلى! هذا ما يوضحه الكاتب في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب مجتمع الشفافية
بيونغ تشول هان Byung-Chul Han: فيلسوف وكاتب، وُلِد في كوريا الجنوبية، يعمل أستاذًا في جامعة برلين للآداب، تُظهر أعماله تأثره الكبير بمدرسة فرانكفورت، وهي مدرسة للنظرية الاجتماعية والفلسفية النقدية في مدينة فرانكفورت الألمانية.
ومن أهم أعماله:
إنقاذ الجمال.
ما هي السلطة؟
طوبولوجيا العنف.