حكمة القادة وحكمتهم
حكمة القادة وحكمتهم
الفطنة وحسن التدبير للمواقف من شمائل القادة، ورُبَّ لمعة ذكاء كشفتْ حُجبًا وفتحت للنجاة دربًا، والفطنة تنتهي إلى الحكمة التي هي مَلاك صِناعة الأحكام السديدة، والقائد الفطِن الحكيم لا تضطرب بصيرته ولا يختلُّ ميزانه في تقدير الحوادث ولا يحركه حقد ولا تستميله نزعاتٌ فردية رخيصة، وتلك الحكمة تحتاج إلى شيء من المقدرة العقلية دون إفراط في العلوم النظرية التي تضرُّ أحيانًا بالتعمُّق والتوسُّع في الاحتمالات البعيدة فيفضي إلى فتور العزيمة والشك، وقد منَّ الله على أنبيائه بأن أعطاهم الحكمة، وجعل إتيانها خيرًا كثيرًا، والحكمة هي وضع الشيء في محله أي صواب الأمور وسدادها وتشمل العلم والعمل معًا، وهي أيضًا معرفة الحق وفعل الخير.
لقد ساد في عالم اليوم أسلوبان من الحكم يحدِّدان صلة الحاكم بالمحكوم؛ الأول نظام ديكتاتوري: فيه القائد بارز قوي، قد وضع نفسه أو وضعته الظروف ليكون مركز كل شيء ويخضع لحكمه كل أحد. والثاني نظام ديمقراطي: يطغى فيه صوت الجماعة على صوت القائد، ويتصدَّر عدد كبير في إبداء الرأي وصناعة الحكم وكلٌّ حسب هواه وما يرضيه، ويصبح اختيار الحاكم ليس إلا تلقينًا وتوجيهًا وهو عرضة للانقياد والتبعية، وهي ليست كثرة عددية بقدر ما هو عقل جمعي اندفاعي، وخطر هذا النظام أن إحساس كل فرد بأنه حر مستقل يمحو عنده أي رغبة في المعارضة ويسهل عليه الخضوع أكثر من النظام المتشدِّد، وقد نبَّه القرآن على النوعين فذكر قصة فرعون الطاغية المتجبِّر، وذكر قصص الأتباع والمتبوعين والضعفاء والمستكبرين، وخير الحال اتباع هدي القرآن في الموازنة بين الحكام والمحكومين ومصدرية اتخاذ القرارات.
الفكرة من كتاب من هدي القرآن.. القادة والرسل
هذا مبحث في السمات القيادية للرسل الذين صنعتهم العناية الربانية؛ فعصمتهم من الزلل ومن الضعف البشري أمام الشهوات وأهواء النفوس؛ فكانوا قدوةً لغيرهم، ونموذجًا يجب تطبيقُه في سياسة الجماعة وإدارة الحُكم، وهو ضِمن سلسلة من هدي القرآن التي التزم فيها المؤلف طريقةَ التفسير الأدبي الذي يُعنى بالتدبير النفسي والاجتماعي للحياة الإنسانية، ويقصد الموضوعات القرآنية دون التقيُّد بالأجزاء والسور؛ ثقةً بعظمة التدبير القرآني وصلاحيته لكل الظروف والأزمان.
مؤلف كتاب من هدي القرآن.. القادة والرسل
الشيخ أمين الخولي أديب ومفكر ومناضل ثوري شارك في ثورة ١٩١٩، وزوج الأستاذة عائشة عبد الرحمن؛ وُلد عام ١٨٩٥ بمركز أشمون بمحافظة المنوفية، وتخرَّج في مدرسة القضاء الشرعي وعُيِّن مدرسًا بها، ثم إمامًا للسفارة المصرية في روما، وأسَّس جماعة الأمناء ومجلة الأدب وكانت له جهود تجديدية كثيرة، وكانت المؤثرات الغربية الحديثة ظاهرة في بعض أفكار الخولي، وقد أثارت رسالة “الفن القصصي للقرآن” لمحمد أحمد خلف الله -والتي أشرف عليها الشيخ وأيَّدها- جدلًا واسعًا، وخلقت أزمة بينه وبين الأزهر، وقد توفي الشيخ أمين عام ١٩٦٦ ودفن في قريته شوشاي.