حضارة القول الغربية وحضارة الفعل الإسلامية
حضارة القول الغربية وحضارة الفعل الإسلامية
لما كانت الأفعال هي بالذات الجانب الخُلُقي من الإنسان، فإن الحضارة الغربية قد ظلمت الإنسان بترجيحها جانب القول على جانب الفعل، واتخذ هذا الظلم للإنسان مظاهر ثلاثة، أولها: “التضييق من مجال الأخلاق”، فلا أخلاق في العِلم، وما إلى ذلك، وثانيها: “تجميد الأخلاق” كونها لا تصلح لتنظيم الأفعال، وثالثها: “التنقيص من شأن الأخلاق” بأنها لا تخدم إلا الضعف في النفس والخذلان في السلوك، وبذلك جعلت حضارة القول الفعل الخلقي محدودًا ومقطوعًا ومنبوذًا.
وللخروج من الآفات الخلقية لحضارة القول، لا بدَّ من إنشاء “حضارة الفعل”، ومن شأن التخلُّق المستند إلى التجربة الدينية المؤيدة أن يخرج الإنسان من حضارة القول إلى حضارة الفعل، وذلك من خلال “درء آفة التضييق” بجعل الفعل الخلقي وجوبيًّا كوجوب الفعل القانوني، وأن يتعدى الفعل الخلقي الواحد إلى أفعال كثيرة، وأن يتسع ليشمل كل شيء.
و”درء آفة التجميد” باستغراق المتخلق في الفعل المباشر بأن يأتيه على مقتضى الحكمة، وأن يتخلق بالصفات الحسنى متوسلًا التخلق بأخلاق الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ومن خلال الاقتداء بالحي، فيبحث عمن تحقق فيه التخلُّق النبوي باحثًا عن سنده الذي يصل إلى النبي.
و”درء آفة التنقيص” من خلال التخلُّق المؤيد الذي يحرِّر المُتخلِّق من موانع السعادة ويزوده بأسبابها التي لا تزول، كما أنها توسِّع نظرة المتخلِّق إلى الإنسان فتصله بآفاق الوجود، كما تولِّد في المتخلق القدرة على التذوق الجمالي في نفسه وفي الآفاق من حوله.
الفكرة من كتاب سؤال الأخلاق.. مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية
قد التبس الأمر على دُعاة العقلانية من المُحدَثين، فظنُّوا أن العقلانية واحدة لا ثاني لها، وليس الأمر كذلك، إذ تأتي العقلانية على قسمين، فهناك “العقلانية المجردة من الأخلاقية” وتلك يشترك فيها الإنسان مع البهيمة، وهناك “العقلانية المُسدَّدة بالأخلاقية”، وتلك يختص بها الإنسان عمَّن سواه، فالأخلاقية هي ما يكون بها الإنسان إنسانًا، إذ يجب أن تتجلى الأخلاقية في كل فعل من أفعال الإنسان.
مؤلف كتاب سؤال الأخلاق.. مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية
الفيلسوف المغربي المجدد طه عبد الرحمن، متخصِّص في علم المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق، أحد أبرز الفلاسفة والمفكرين منذ سبعينيات القرن الماضي.
كتب العديد من الكتب التي يؤسس من خلالها فلسفة إسلامية جديدة، ومن تلك الكتب: “العمل الديني وتجديد العقل”، و”روح الحداثة”، و”بؤس الدهرانية”، و”ما بعد الدهرانية”.