حسن الظن
حسن الظن
من حقِّ صديقك عليك أن تحسن الظن بقوله وفعله، فتسكت عن مساوئه، لا بلسانك فقط، بل بقلبك أيضًا لأن سوء الظن هو غيبة القلب، وأن تلتمس له الأعذار، فإن لم تجد له عذرًا تقول في نفسك لعل لصديقي عذرًا لا أعلمه، وليست كل المواقف تصلحُ لتكون اختبارًا نُقيِّم به صداقتنا، وإذا كانت مودتنا صادقة قوية فلا ينبغي أن تجرحها مواقف عابرة، بل يُحكى أن رجلًا مات ابنه فقيل له إن فلانًا لم يأتِك فما كان رده إلا أن قال: “إنا إذا وثقنا بمودة أخٍ لا يضرنا ألا يأتينا”، فلم يحمِل عليه في خاطره رغم أنه في موقف صعب، ولا ينبغي أن تكون بين الأصدقاء حساسية مفرطة وتعقيداتٌ وتحليلاتٌ دقيقة لكل موقف، بل تتميز الصداقة بالبساطة وحسن الظن.
وسوء الظن مفسدةٌ عظيمة، يؤدي إلى التجسُّس والغيبة ويُحمِّل المرء ذنوبًا، وهو سبب لانقطاع الود، وقد يودي طريقه أحيانًا إلى إراقة الدماء، فكيف نطهر قلوبنا من سوء الظن؟ نكثر من الدعاء بألا يجعل الله في قلوبنا غلًّا أو كرهًا للمؤمنين، ونصارح أصحابنا بما يضايقنا منهم لأن في المصارحة توضيحًا لسوء الفهم، وعلينا ألا ننشغل بنوايا الناس وأن نُعوِّد أنفسنا على حسن الظن والتماس الأعذار، وإن أسأت الظن بأحدهم أو وجدت في نفسك شيئًا تجاهه فادعُ له بظهر الغيب حتى يُذهب الله ما وجدته في قلبك.
وإن جاءك نمَّام يريد أن يوقع بينك وبين أحد أصدقائك فأسكِته وازجره وانصحه بأن يكفَّ عن ذلك، ودافع عن صديقك ثم تبيَّن منه، ولا تصادق نمامًا ولا تكن أنت كذلك، وتذكَّر آيات سورة الحجرات؛ قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾.
الفكرة من كتاب حقوق الصديق وكيف تتعامل معه
خلق الله الناس يأنس بعضهم ببعض، لا يستطيع الواحد منا أن يعيش في عزلة أبد الدهر، فنتخذ أصدقاء وأصحابًا، لكنَّ الصداقة ليست مجرد تسلية وضحكات ومسامرات كما يظن البعض، وإنما فيها واجباتٌ والتزامات لا يكون الصديق صديقًا إلا بها.
فما الصداقة الحقيقية؟ وما معنى الحب في الله؟ وما حقوق الصديق التي إذا أديتها كنت نعم الصديق، وإن وجدتها من غيرك تمسَّكت بصداقته؟ هذا ما سنحاول أن نُجيب عنه هنا.
مؤلف كتاب حقوق الصديق وكيف تتعامل معه
أحمد بن ناصر الطيار: داعية سعودي، وإمام وخطيب جامع عبد الله بن نوفل بالزلفي، نشط على مواقع التواصل الاجتماعي، ينشر عليها خُطبًا وخواطر واقتباسات من كتبه، وله العديد من المؤلفات، منها: “الأنس بالله تعالى”، و”بوابة الخشوع في الصلاة”، و”صناعة طالب علم ماهر”، و”آداب طالب العلم وسبل بنائه ورسوخه”، و”الحياة الزوجية السعيدة، قواعد وحقوق وعلاج للمنغصات”، و”حياة السلف بين القول والعمل”، و”عبقرية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله”.