حزن النبي
حزن النبي
حاصرت قريش المسلمين لمدة ثلاث سنوات، حصارًا تجاريًّا وماديًّا وحتى نفسيًّا، وعلى عكس ما توقَّعوا فقد زادهم هذا الحصار ثباتًا ويقينًا، بل حتى زادت الدعوة وأتباعها، كانت الرسالة تصل بسهولة إلى كل من يفتح قلبه وعقله ويفكر بمنطقية.
انتهى الحصار بمكاسب للرسالة، لكن الفرحة لم تكتمل، فقد مات أبو طالب عم الرسول الذي كان يمنع قريشًا من أن يؤذوا محمدًا، مات شيخ مكة تاركًا وجعًا كبيرًا في قلب الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وفي نفس الشهر ماتت زوجته الوفية العظيمة خديجة التي آمنت به من أول نزول الوحي، ونصرته بمالها وجاهها.
استكمل النبي مشوار رسالته بعدما دفن عمه وزوجته، بعد عشر سنوات من الدعوة السلمية دون إراقة قطرة دم واحدة، لكنه إنسان فاض حزنه في قلبه من شر القوم وفراق الأحباب الذين كانوا سنده وحمايته من قريش، لكن البؤس قد زاد وإهانة قريش وأذاهم قد زادا حتى تطاولوا على الرسول برمي القاذورات عليه وهو يصلي، وعندما نهض كان قد فاض به الكيل فقال: “اللهُمَّ عليك بقريش” ودعا على من ظلموه.
حينها قرَّر الرسول البحث عن أرض جديدة ينشر بها دعوته، فذهب إلى الطائف يدعوهم، لكنه للأسف تم رفضه بطريقة مؤذية للغاية حتى أن الناس كانوا يرمونه بالحجارة، فرجع إلى مكة واستجار بأحد المشركين وهو “مطعم بن عدي” حتى تعطيه قريش هدنة من إيذائها له.
الرسول لا يمل ولا يكل، مستمر في دعوته، الإنجازات الصغيرة غير متناسبة مع الجهد الكبير المبذول لكنه لا ييأس، حتى جاءه بعض الرجال من يثرب ليعرض عليهم رسالته فوجدوها ملائمة للمصالحة بين الأوس والخزرج، ثم جاؤوا بعدها لمبايعة الرسول في ليلة العقبة الأولى، ثم أرسل الرسول معهم مصعب بن عمير ليكون سفيرًا لفكره، فيعلِّم الناس ويقرأ فيهم القرآن علانيةً، وكان هذا بمثابة الحلم للمسلمين، وبعدها بيعة العقبة الثانية التي بايعوا فيها الرسول على أن ينصروه ويحموه، ورغم استمرار قريش في طغيانهم فإن الجهد والتعب الذي بذله الرسول سيثمر يومًا وتنجح الرسالة.
الفكرة من كتاب الأعظم.. قصة النبي محمد (ﷺ)
لو أن شخصًا ما ظهر في عصرنا الحالي يدعونا لنترك دين آبائنا وأجدادنا ونتبع ما يخبرنا به لما صدقناه ولاتهمناه بالجنون! تخيَّل معي أنك ولدت في الجزيرة العربية، وكانت العبادة السائدة وقتها هي عبادة الأصنام، التي كانت دين آبائك وأجدادك، ودينك بالوراثة، وفجأة ظهر شخص يدعو الناس إلى دين آخر، يخبرهم أن الأصنام التي يعبدونها لا تملك لهم ضرًّا ولا نفعًا، وأن هناك إلهًا واحدًا، هو الخالق وليس الآلهة التي تصنعونها، وأن هناك دار الحساب بعد الموت؛ هناك حياة أخرى!
هل لو كنت موجودًا حينها ستترك دين آبائك وأجدادك؟ هل ستفكر حتى أنك على خطأ؟ الوصول إلى الحقيقة ليس بهذه السهولة التي نتخيَّلها الآن، الأمر يحتاج إلى تفكير.. يحتاج إلى شك.. يحتاج إلى قائد عظيم ومربٍّ فاضل، كيف تكون الشخصية التي استطاعت أن تقلب موازين العالم؟ هذا ما سنتحدَّث عنه في هذا الكتاب، حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ولكن في جانب واحد من جوانبها، جانب القيادة والكفاح.
مؤلف كتاب الأعظم.. قصة النبي محمد (ﷺ)
كريم الشاذلي: كاتب وإعلامي وباحث ومحاضر في مجال العلوم الإنسانية وتطوير الشخصية، استطاع في مدة قياسية أن يصل إلى أكثر من نصف مليون قارئ عربي من خلال 15 كتابًا مطبوعًا، وقد تُرجِمَت كتبه إلى العديد من اللغات، وقد تقلَّد منصب مدير عام دار “أجيال” للنشر والتوزيع، وأعطى محاضرات في جميع جامعات مصر، وحلَّ ضيفًا على كثير من البرامج التلفزيونية في الدول العربية.
من أبرز مؤلفاته: “امرأة من طراز خاص”، و”الإجابة الحب”، و”اصنع لنفسك ماركة”، و”جرعات من الحب”، و”أفكار صغيرة لحياة كبيرة”، و”إلى حبيبين”.