حركة التنوير والانعتاق
حركة التنوير والانعتاق
كانت الأقليات اليهودية تتعثَّر في أذيال التخلف والعزلة والتناقضات الحادة والاستقطاب القومي والخرافات الشعبوية، وفي خضم الثورة الصناعية التي اجتاحت أوروبا والتحولات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التي تمثَّل بعضها في ميكنة الإنتاج والصراع بين الملوك والكنيسة، بدأت أوروبا تهتك أستار عصر النهضة، ما أدى إلى بلورة ملامح حركة تنويرية امتازت بإعادة تشكيل العقل البشري من جديد، حيث تمثلت أهم ملامح تلك الحركة في تغير شكل الإنتاج وتعاظم الصناعة وتوسع النشاط التجاري، وانتشار الطباعة مع الثورة العلمية وخلخلة الاستقطاب الطبقي الحاد.
كل تلك التحولات أسهمت بلا شك في اتساع الأفق البشري وخلق مناخ فكري خصب أسهم في نشأة رؤية علمية قائمة على فلسفة تنوير عقلانية مضادة للطرح الديني الكنسي في ذلك الوقت، فكان أبرز معالمها القول بوحدة الطبيعة البشرية، على عكس الطرح الديني القائل بانقسام الوجود إلى جسد وروح، كما تم النظر إلى العقل البشري بوصفه ذاتًا مستقلة لا تتأثر بمفاهيم الزمان والمكان ولا تحوي أي شر بل هو على فطرته، كما رأى البعض أن العقل البشري إذا نفض عن كاهله الأوهام والأساطير سيجد طريقه إلى إدراك قوانين الكون والسيطرة عليه.
وسواء اتفقنا أم اختلفنا مع المبادئ الحاكمة لحركة التنوير تلك، فلا شك أنها كانت قنطرة لعبور البشرية من حقبة تقليدية إلى حقبة أكثر تطورًا وحداثة حيث توحيد النظم القانونية وتناغم العلاقات الاجتماعية في الأسواق وزيادة الاعتبارات العلمانية في الحكم وتحقيق الاندماج الحضاري لجميع أعضاء المجتمع، وكما أن هذا التغيير انسحب على معظم المجتمعات الصناعية فلا شك أيضًا أنه قد انسحب على الأقليات المجتمعية، ومنها بالطبع التجمعات اليهودية المتناثرة بين أنسجة الدول المختلفة، ومن هنا كانت المسألة اليهودية أقرب ما تكون إلى تجربة مجتمعية مركبة كثيرة الذيول.
الفكرة من كتاب الأيديولوجية الصهيونية
“أن تعرف عدوَّك خير لك من أن تظل تُحدث نفسك”!
نجح اليهود بلا شك في شقِّ الصف العربي وزرع أنفسهم بين نسيجه الممتد من المحيط إلى الخليج، وتظل قضية فلسطين القضية المحورية الأولى التي تفرَّع عنها كثير من المشكلات الأخرى المصطنعة، ومع تطوُّر الأحداث بشكل رهيب واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة موحَّدة لإسرائيل إبان عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وكذا عملية التطبيع التي جرت بين عدد من الأنظمة العربية وإسرائيل، يصبح من المهم الآن سبر أغوار تلك الحركة الصهيونية وفهم أبعاد المسألة اليهودية من الجذور، وهذا هو موضوع الكتاب الذي بين أيدينا.
مؤلف كتاب الأيديولوجية الصهيونية
عبد الوهاب محمد المسيري (1938 – 2008): مفكر وعالم اجتماع مصري، التحق بقسم اللغة الإنجليزية كلية الآداب جامعة الإسكندرية وتخرج عام 1959 وعُيِّن معيدًا فيها عند تخرجه، سافر إلى الولايات المتحدة، حيث حصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، وعلى الدكتوراه من جامعة روتجرز نيوجيرسي، وعمل بالتدريس في جامعة عين شمس وعدة جامعات عربية، وكان عضو مجلس الخبراء في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ومستشارًا ثقافيًّا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، وكذلك كان عضو مجلس الأمناء بجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية ببليسبرغ، بولاية فرجينيا في الولايات المتحدة الأمريكية.
يعد واحدًا من أبرز المؤرخين العالميين المتخصصين في الحركة الصهيونية، وصدرت له عشرات الدراسات والمقالات عن إسرائيل والحركة الصهيونية، منها: “موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية”، و”الجماعات السرية في العالم”، و”العنصرية اليهودية”.