حركة الترجمة ومحاولة التوفيق بين الفلسفة والدين
حركة الترجمة ومحاولة التوفيق بين الفلسفة والدين
0
أرسل الخليفة العباسي المأمون إلى الإمبراطور البيزنطي وفدًا يطلب منه أن يرسل معهم المخطوطات العلمية الإغريقية لتتم ترجمتها إلى اللغة العربية، لكن كان من العسير العثور على تلك المخطوطات لأن النصارى قد حظروا تداول الكتب الفلسفية القديمة، وأودعوها مكتبة المعبد التي أغلقت منذ عصر الإمبراطور قسطنطين، لكن ألحَّ الوفد على الإمبراطور أن يأذن لهم بدخول المكتبة والحصول على المخطوطات، وكان لهم ما أرادوا.
ويرى جون أن توجُّه المسلمين نحو ترجمة الكتب الفلسفية القديمة، راجع إلى اهتمام الحكام والعلماء المسلمين بالعلوم الطبيعية كالفلك والطب لأهميَّتها العملية المباشرة، ولكي تفهم تلك العلوم الإغريقية فهمًا دقيقًا، كان لا بدَّ من ترجمة الكتب الفلسفية القديمة، لكن العجيب في أمر الترجمة أنها كانت نحو كتب معينة دون غيرها، حيث لم يتم ترجمة الكتب الرائجة في بيزنطة في ذلك الوقت، فقد كانت أيسر وأسهل، ولجؤوا إلى الكتب القديمة غير الرائجة، فكان طلب المسلمين لتلك الكتب من أهم الأسباب التي أعادت تلك الكتب إلى التداول مرة أخرى وحفظها من الضياع.
وحينما شرعَ الفيلسوف العظيم “الكِنْدي” للإجابة عن الأسئلة الفلسفية التي كانت تثار في وقته، كان الفكر الإسلامي قد تطوَّر تطورًا ملحوظًا آخذًا في الرد على تلك التساؤلات بواسطة “علماء الكلام”، فرأى الكِنْدي أن الوحي يكسبنا حقائق لا تستطيع الفلسفة أن تكسبنا إياها، مفضلًا ومقدمًا عِلم الكلام على الفلسفة، وحاول من بعده “الفارابي” أن يقوم بعملية توفيق بين الفلسفة والدين، جاعلًا فلسفة الدين؛ أي علم أصول الفقه وعلم الكلام من فروع الفلسفة السياسية تابعين لها، فعندما تكون عبارات النص المقدس غير متوافقة مع الفلسفة يجب تفسيرها تفسيرًا استعاريًّا يجعلها تتوافق مع الحقيقة الفلسفية، وفشل الفارابي أيَّما فشل في محاولته تلك التي تجعل من علوم الدين تابعًا للفلسفة.
الفكرة من كتاب الله والمنطق في الإسلام.. خلافة العقل
يسلِّط جون والبريدج، من خلال كتابه هذا، الضوء على التراث الإسكولائي الإسلامي (التراث العقلي المدرسي في العصر الوسيط)، ليتبيَّن أن العقل كان له دور محوري ومركزي في الحياة الفكرية الإسلامية، ويرى أن هذا التراث جديرٌ بالتأمل والنظر، إذ إنه على مدى التاريخ الإسلامي تمَّت العناية به، بل ولا تزال المعاهد الدينية (كالأزهر الشريف في مصر، وقم في إيران، والنجف في العراق) إلى اليوم تولي هذا التراث الذي قام على التلمذة والتخصُّص وانطوى على آلاف من الأذكياء والنابهين العناية الكاملة والعكوف عليه.
كما يذهب جون إلى أن كلًّا من الأصوليين والحداثيين اتفقوا على معارضة هذا التراث الإسكولائي، مما ساعد على انهيار الحياة العقلية الإسلامية التي استمرت لقرون، وتم استبدالها أنماطًا من التفكير غاية في الضحالة والهوان، ورغم ذلك يرى أن هذا التراث الفكري الإسلامي الوسيط سيُبعث من جديد ليكون من الأعمدة التي يقوم عليها مستقبل الإسلام.
مؤلف كتاب الله والمنطق في الإسلام.. خلافة العقل
جون والبريدج John Walbridge: أستاذ لغات الشرق الأدنى وثقافاته في جامعة إنديانا، ألَّف تسعة كتب عن الإسلام والثقافة العربية، منها أربعة كتب في الفلسفة الإسلامية وحدها، تُرجم منها إلى العربية كتاب: “الله والمنطق في الإسلام.. خلافة العقل”.