حركة الإنسان القُرآني
حركة الإنسان القُرآني
إننا أمَّة استأمنها الله على هذه الأرض، تتحرَّك فيها بمُراده سبحانه! ولو تأمَّلت -عزيزي القارئ- قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ أول ما نزل من القرآن، وقوله: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ آخر سورة نزلت، أدركت أن بعض القراءة هي وقود المعركة؛ القراءة التي تُحرر الإنسان من الوثنية والتبعيَّة، القراءة التي تكون غايتها اكتشاف مُراد الله.
يقول الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾، فهذا مشهد “المُدثِّر” أمامه “قُم”.. “قُم” لأنه الفعل الذي سيعيد تشكيل الإنسان، ثم ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾، إذ لا قيام دون طهارة عميقة، دون هجر الرجز، وهذه لبنة من لبنات البناء الإنساني، أن يتحرر المرء من قيود نفسه، من قيود هواه وشهوة القلب، فينطلق! والرجز لغةً هو “مرض يصيب الإبل فترتعش منه حتى تعجز عن القيام”، وكأن المعنى هنا أن الذنب يجعل الإنسان مضطربًا في خطوات سيره للغاية الكُبرى، فإن القائم بهذه الرسالة لا يذوب، لا يتردد.. ثم ماذا؟ ﴿وربك فكبِّر﴾ فتتوجه النفس الإنسانية إلى الحقيقة الكُبرى!
إن الحركة والسكنة في هذا القُرآن محسوبتان، دقيقتان، بالغتا القوة، فالرسالة بدأت بعُزلة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، تلك العُزلة التي يتلَّقى فيها الإجابات، ويتحرَّك بها في نهاره، فنزل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا﴾، فإن في محراب الليل تُولد الحكمة، وفي الليل نلتقي بأنفسنا، نلتقي بعجزنا، فنعرف حقيقة ضعفنا، فنأوي إلى الركن الشديد، ويبدأ القلب في التعرُّف على ربِّه، بدمعٍ صادق، فيُغرس اليقين، هكذا يكون الليل، يكون القرآن فيه ﴿أَشَدُّ وَطْئًا﴾ أي أثبت في صناعة الخير، فيتحرَّك أصحاب الخلوات الخاشعة في نهارهم بقوة صادعة، فكان القيام مدرسة التحرر وصناعة الإرادة، مدرسة يتخرج طلابها أحرارًا، أصحاب مسؤولية.
الفكرة من كتاب فقه بناء الإنسان في القرآن
إن الناظر في مواقف الصحابة (رضوان الله عليهم) وتغيُّر حالهم مما كانوا عليه قبل البعثة وحين نزل عليهم الوحي، يقف مُتعجبًا كيف تغير هؤلاء هذا التغيُّر المقابل تمامًا، كيف انقلب حالهم من الضلال والشرك إلى النور والتوحيد، كيف بعد أن كانوا أُمة لا تُذكر ارتفع ذكرهم في أرض الله بأكلمها، كيف بعد أن كانت حدودهم مكة وما حولها، صارت شموسهم تُشرق من كل اتجاه، فما سر هذا التغيُّر؟ وما سر قوَّته وتأثيره؟ إنه كلام ربِّ العالمين!
في هذا الكتاب تكشف لنا الدكتورة كِفاح أبو هَنُّود كيف بنى القُرآن تلك النفوس الجليلة من خلال تتبُّع السور المكيَّة التي شكلَّت أولى اللبنات التي قامت عليها هذه الأمَّة، لنحاول من جديد أن نستقي من نور الوحي، فإنه لا أثر للنص إذا انقطع عنه الفَهم.
مؤلف كتاب فقه بناء الإنسان في القرآن
د. كفاح أبو هنود: كاتبة أردنية الجنسية، حاصلة على الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وهي الآن أستاذة جامعية، كما أنها ناشطة في العمل الشبابي والنسائي في دول عدة، وقد أسست عددًا من البرامج التربوية.
من مؤلفاتها:
في صحبة الأسماء الحُسنى.
التوظيف الحداثي لآيات المرأة: جمال البنا نموذجًا