حركة الإنسان الدائبة
حركة الإنسان الدائبة
إحدى الخصائص الأساسية للنظام الرأسمالي أنه يلتهم البيئة التي وجد فيها، ويحول مخرجاته إلى نفايات يجب إعادة تدويرها، سواء كانت نفايات صناعية أم بشرية، النوع الأول يؤثر في التوازن البيئي ومعدلات تلوثها، أما النوع الثاني فلأجله نشأت النقابات العمالية، لمحاولة الحصول على أكبر قدر ممكن من الحقوق والدفاع عن الأفراد في بيئة العمل الوحشية.
ولكننا وصلنا إلى مرحلة تتراكم فيها النفايات بنوعيها، والفائض البشري لا يعاد تدويره ودمجه في نظم وأعمال ومشروعات أخرى، ولكن حكم عليه بالإقصاء الاقتصادي، قد يكون ذلك الفائض مجتمعات كاملة أو طبقات معينة مثل مئات الآلاف من اللاجئين الذين حُرموا الاندماج في البيئة الاجتماعية والتمتع بفرصها وامتيازاتها، وحكم عليهم بالبقاء في خانة الجيش الاحتياطي للأبد، لأنهم ببساطة لم تعد لهم وظيفة داخل النظام.
فقد اختفت النظرة القديمة للدولة بأنها مسؤولة اجتماعيًّا وأخلاقيًّا عن الإنسان داخل حدودها، وأصبحت القوة هي المعيار الوحيد للحق، حتى لا يقف أمامها القانون، فيمكن دائمًا الالتفاف حوله أيًّا كانت المسميات، فها هي مخيمات اللاجئين الهاربين من مجتمعات مدمرة بسبب الحروب والأوبئة والأزمات الاقتصادية الطاحنة التي أنتجتها العولمة تنمو أسرع من قدرة أي دولة على التخطيط لاستيعابها.
وفي رد فعل لذلك أصبحت الدول أكثر صرامة وحزمًا في تنفيذ القوانين والتعامل مع الجريمة، وممارسة حملات كبيرة لإرجاعهم إلى دولهم، كما أنها تحرمهم جميع الامتيازات الاجتماعية وتتركهم بلا أي انتماء أو هوية، وتزيد من تحصين حدودها لمنع استقبال المزيد، ولكنها لا تحاول تغيير الأسباب الرئيسة لقدومهم من الأساس هربًا من أوطانهم.
الفكرة من كتاب الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللايقين
يعيش عالمنا الحديث حالة استثنائية في تاريخ وجودنا البشري، بسبب التحولات الكبيرة التي أصابت البنية الاجتماعية والمرجعيات الأساسية التي استندت إليها البشرية لسنوات، فكل القيم والأطر الصلبة المتماسكة ذات المعالم الواضحة تحولت إلى سوائل تتشكل حسب حاجة القوى العملاقة المتصارعة في زمن العولمة.
ما تلك التحولات الرئيسة؟ وما أثر ذلك في الفرد البسيط في حياته اليومية؟ كيف جعلت تلك التحولات علاقاته هشة ومخاوفه كبيرة حتى مع زيادة التكنولوجيا وإجراءات الأمان، وما الذي يغذي حالة اللا يقين المسيطرة على الأفكار؟ وكيف حولنا النظام الاقتصادي الذي بنيناه إلى مجرد أشياء؟ كل ذلك هو ما يحاول كتابنا الإجابة عنه!
مؤلف كتاب الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللايقين
زيجمونت باومان، ولد في عام 1925م ببولندا لأبوين يهوديين، وهو بروفيسور في علم الاجتماع من جامعة ليدز، استقر في انجلترا منذ عام 1971م بعد طرده من بلاده بسبب آرائه عن الهولوكوست، تناول في تحليلاته الاستهلاكية والمادية قضايا الحداثة وما بعدها، ووقف أمام حركة العولمة، وعارض وجود إسرائيل وانتقدها علنًا، ذاع صيته في التسعينيات، وتوفي عام 2017م.
من أهم أعماله ” الثقافة السائلة” و”الحب السائل: عن هشاشة العلاقات الإنسانية” و“الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللا يقين”
معلومات عن المترجم:
حجاج أبو جبر، أستاذ النقد المصري، ولد في عام 1977م بالجيزة، درس الأدب الإنجليزي وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة، له العديد من الإسهامات المقالية النقدية مثل “الحداثة في خطاب عبد الوهاب المسيري” وسيميولوجيا العدد” ، وترجم كتبًا مثل “عن الله والإنسان” و”الحب السائل”.