حركات ومصطلحات صهيونية مختلفة

حركات ومصطلحات صهيونية مختلفة
رغم قبول التيارات الصهيونية كافة للصيغة الشاملة، ظهرت بعض محاولات التملّص من المشروع الصهيوني، إذ اقتصر دور حركات صهيونية معينة على الدعم المادي والسياسي والدبلوماسي للمشروع، دون الهجرة إلى فلسطين والاستيطان فيها، مثل جماعات التوطينيين الأثرياء، الذين اندمجوا في مجتمعاتهم، ويدعمون المشروع الصهيوني ماديًّا، بالإضافة إلى صهيونية الدياسبورا أو الشتات، وهم الجماعات التي لا تعد إسرائيل مركزًا لها، ولكنها تساند المشروع الصهيوني عبر التأثير في بلادها، وهناك أيضًا مصطلح الصيهونية الإقليمية، التي رأت أن المشروع الصهيوني لا يحتاج إلى بقعة جغرافية معينة، بل يمكن أن يستوطن حتى أوغندا، كما حاول البعض تخفيف صدام الصهيونية مع أصحاب الأرض، عبر اقتراح إنشاء دولة مزدوجة القومية، يعيش فيها العرب واليهود جنبًا إلى جنب.

والتزمت بعض الجماعات الدور الدبلوماسي فقط، محاولةً إرساء قواعد المشروع عالميًّا، وعُبّر عنها بمصطلح الصهيونية الدبلوماسية، ومن أشهر أسمائها “حاييم وايزمان | Chaim Weizmann”، و”ماكس نورداو | Max Nordau”، واتصفتا بالبراعة والمراوغة، وركزتا على تقوية علاقة المشروع الصهيوني بالقوى الإمبريالية لدورها، وانتهى دور الصهيونية الدبلوماسية بعد انتزاع وعد بلفور الشهير، لتبدأ حركة الصهيونية الإحلالية في إمساك زمام القيادة.
تتشكّل الصهيونية الإحلالية من التيارات الاشتراكية اليهودية، التي اعتمدت الزراعة والحراسة وسيلةً للاستيطان وإحلال المهاجر اليهودي في الأرض، وأسهمت الديباجات العمالية الاشتراكية في تجميع رأس المال الخارجي اللازم للمشروع، بالإضافة إلى حشد وتعبئة الطبقات الكادحة من يهود الشرق، وإقناعهم بالهجرة إلى فلسطين، ويُعد “نحمن سيركين | Nachman Syrkin” و”أهارون جوردن | Aharon Gordon” من أكبر أسماء تلك الحركة.
وظهر أيضًا تيار الصهيونية الإثنية، التي انقسمت حركتين دينية وعلمانية، والجماعة الإثنية تشير إلى مجموعة من البشر يمتلكون تراثًا حضاريًّا وتاريخًا مشتركًا، والتيار الديني للإثنية يؤمن بحلول الإله في الأمة اليهودية، ومن ثم تصبح مقدسة بذاتها، أما التيار العلماني فيعتقد بوحدة الوجود المادي، وتتصارع الحركتان وما زالتا، إلا أنهما مثل جميع التيارات والحركات الصهيونية مقتنعتين بالصيغة العامة الشاملة المراوغة من الصهيونية، التي فشلت في الإجابة عن الأسئلة الكبرى مثل سؤال “من هو اليهودي؟”، واكتفت بوضع صيغة مراوغة لإرضاء الجميع.
الفكرة من كتاب تاريخ الفكر الصهيوني.. جذوره ومساره وأزمته
لفهم الصهيونية بمدى عمقها وتعقيداتها، يتعيّن علينا أن نتجاوز النظرة السطحية ونستقصي في جذورها الفكرية وتطورها عبر الزمن، ونتوقف عن الاستناد إلى مقولات غربية، لأنها ليست كافية لإنارة فهمنا لهذه الظاهرة التاريخية والسياسية المعقدة، إذ نحتاج إلى بناء نموذج تفسيري مستقل يعتمد على البحث العلمي والنظرة الشاملة، بهدف تجاوز الديباجات التي تسيطر على النقاشات وتحجب الحقائق.
يقدم لنا الدكتور عبدالوهاب المسيري مفاتح تفسيرية تساعدنا على استكشاف جذور الصهيونية وتطورها، يتساءل عن كيفية نشأة هذه الحركة والدوافع وراء وجودها، مسلطًا الضوء على السياق الحضاري الذي نشأت فيه، وكيف أسهم المفكرون الصهيونيون في تطوير استراتيجياتهم عبر المراحل المتعددة التي مرت بها الحركة، ويركز على الدور الذي لعبته أوربا في تنفيذ المشروع الصهيوني ورعايته، ثم يعرض لنا الأسباب والملابسات التي دفعت أوربا إلى تبني هذا المشروع وكيف تطوّر هذا التفاعل في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة، مما يمكننا في نهاية المطاف من تطوير أسس قوية لمقاومة المشروع الصهيوني وفهم أعماق تأثيره.
مؤلف كتاب تاريخ الفكر الصهيوني.. جذوره ومساره وأزمته
عبد الوهاب المسيري: مفكر وعالم اجتماع مصري، ولد في دمنهور عام 1938م، تخصص في دراسة اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية حتى حصل على البكالوريوس في عام 1959م، ثم نال الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة كولومبيا بنيويورك | Columbia University in New York في عام 1964م، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة رتجرز بنيو جيرسي | Rutgers University in New Jersey في عام 1969م، وعاد إلى الوطن العربي ليدرّس في عديد من الجامعات في مصر والكويت والسعودية، بالإضافة إلى توليه مناصب ثقافية، وانخراطه في العمل السياسي في مصر.
يُعد من أهم المساهمين في نقد الحداثة الغربية، كما أثرى التحليلات والدراسات العربية الخاصة بدراسة اليهود والصهيونية، ومن أهم أعماله:
مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي.
موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية.
الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان.
العالم من منظور غربي.
الأيديولوجية الصهيونية.
الفردوس الأرضي.