حرب ضد الحرب
حرب ضد الحرب
الحروب أوضاع استثنائية في الدين الإسلامي ولذلك إذا انتفت أسبابها تنتفي أحكامها كذلك، فلا يصح إنزال أوضاع الحرب على واقع المسلمين اليومي، مثل علاقاتهم مع أهل الكتاب وغيرهم من غير المسلمين، غير أن تلك القوانين والحدود التي وضعها الإسلام صونًا لدماء بني آدم لم تطقها نفوس السياسيين والمستبدين، وتعاقَب على أمة الإسلام ملوك رأوا دماء قومهم إرثًا لهم، وانتهبوا البلاد واستبدوا العباد، مسلميهم وكافريهم، وقالوا: نُجاهد في سبيل الله، وهم لا يبتغون إلا عرض الحياة الدنيا، والإسلام لا يتفرد بهؤلاء المستبدين، فقد وُجدوا في كل حضارة وديانة، ولكنه تفرد في قوانينه الجذرية التي لا تدع مُتسعًا لهؤلاء الظلمة، فحتى لو اعتبرهم بعض الناس قادة عُظماء، فقد عدهم المسلمون من الفاسقين.
وقد عاصر الإسلام في بدايته استفحال تجارة الرقيق حتى أصبحوا طبقة اجتماعية مستقلة في معظم الأمم، بل قامت حضارات عظيمة على أشلائهم، وترسخت قوانين في بعض المجتمعات تضع الرق عقوبة، ونفر سادة قريش من هذا الدين الذي يساويهم مع عبيدهم في الجزاء والعقاب، وكشأن الإسلام في تعامله مع الطبائع الخبيثة للبشر، قص أجنحة الرق، ووعد بالكثير من الجزاء والثواب لعاتقيهم، وسُن فك الرقبة كفارة للعديد من الكبائر، ووضعت الكثير من الحدود الصارمة، التي تحفظ للعبيد نفوسهم وحقوقهم، فسد ذلك النهر الجارف الذي كاد ينهي البشرية إلى طبقات من السادة والعبيد، ولكن أتى الاستبداد والملوك بالدواهي، فوجدت قصور الجواري وطبقات الإماء والخصيان في التاريخ الإسلامي، وهذا قطعًا شكل من السفه والترف لا يقبله الإسلام ولا يُراعي وصايا رسول الله في الرقيق، ثم جاءت الحضارة الحديثة لتخسف بتلك الوصايا، فاستعبدت الناس للونهم ودينهم، وعاش الناس في أثناء الكشوف الجغرافية عصورًا سوداء، عامل السادة فيها حيواناتهم برحمة أكثر من إخوانهم من بني آدم.
الفكرة من كتاب الإسلام والاستبداد السياسي
ليست ظاهرة الاستبداد بالحدث الطارئ في التاريخ الإسلامي، فقد اختبر المسلمون الحكام المستبدين أكثر من أي نوع آخر، وأحدث هؤلاء الحكام العديد من الأفعال التي صارت بعدهم قوانين تطغى على الدين وتهمل وصايا النبي ﷺ، وقد زاد الاستعمار الحديث الأمر وبالًا، فاختلط الأمر على القوم، وظنوا أن منبع هذا الاستبداد من الدين نفسه، لادعاء هؤلاء الحكام خلافته في الأرض.
هنا يحاول الشيخ أن يرد الأمر إلى حقيقته، ويبين موقف الدين تجاه هذه النماذج، وكيف تعامل معها المسلمون طوال تاريخهم.
مؤلف كتاب الإسلام والاستبداد السياسي
محمد الغزالي: داعية ومفكر إسلامي، وأحد أشهر الدعاة في العصر الحديث، ولد في إيتاي البارود بمحافظة البحيرة عام 1917 م، ختم القرآن بكتاب قريته في العاشرة من عمره، تخرج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وحصل على درجة العالمية وهو في السادسة والعشرين، درس في العديد من الجامعات الإسلامية، كجامعة الأمير عبد القادر في الجزائر، وجامعة أم القرى في مكة، توفي عام 1996 م في المملكة العربية السعودية، له العديد من المؤلفات الهامة؛ منها:
الإسلام والمناهج الاشتراكية.
السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث.
فقه السيرة.