حرب الكرامة
حرب الكرامة
كانت فكرة الاتحاد فكرة صعبة من الأساس، ففي داخل الخليج لم يكن من السهل إقناع مجتمع قبلي بالانتقال إلى سلطة مركزية بعد أن تربى بنوه على الولاء لمجتمع صغير يشمل العائلة أو القبيلة، وعلى الصعيد الخارجي، خشيت الدول العربية أن يكون ذلك الاتحاد وجهًا آخر للاتحاد الفيدرالي الذي أقامه الإنجليز في الجنوب اليمني، إلا أن الشيخ قرر خوض التجربة التي حلم بها منذ تولى حكم المنطقة الشرقية، إذ رأى أن التماسك وتوحيد الصف كان السبيل الوحيد للقوة التي تحتاج إليها دول الخليج.
وقد تخطى فكره الوحدوي حدود الإمارات السبعة، وطالما نادى بأن العالم العربي لا بد أن يسلك سبيل الإمارات في الاتحاد إذا أراد أن تقوم له قائمة، ورأى أن حل أزمات الشرق الأوسط يكمن في اتخاذ العرب قرارًا واحدًا سيكون له وقعه على دول العالم التي تخشى على مصالحها في الوطن العربي.
وفي الحقيقة لم يكن قوله مجرد شعارات أطلقها لكسب مزيد من التأييد، فلم يكن الشيخ زايد من ذلك النوع، وهذا ما ظهر جليًّا في قراره بحظر البترول عن الدول التي تساند إسرائيل في حرب أكتوبر 1973م، إذ قال: “ليعرف الذين يساندون إسرائيل ما سيُقدم عليه العرب”، ولم يدفعه خوفه على دولته الوليدة إلى التنصل من واجب الأخوة، بل أكد أن ثروات الإمارات ليست فقط لأبناء الإمارات، إنما هي حق مشترك يتقاسمه أبناء العرب جميعًا، وعلى الرغم من أن بلاده لم تملك كثيرًا من السيولة المالية وقت الحرب، فإنه اقترض من البنوك واشترى ملابس وأدوية ومستشفيات متنقلة أرسلها إلى مصر وسوريا، كما أرسل إلى سوريا محطة توليد كهرباء بعدما دُمرت محطاتها في الحرب، وصرح أن بلاده تحت تصرف دول المواجهة وأنه على استعداد لاتخاذ ما يرونه.
كما استفزه إعلام بريطانيا المغرض خلال الأيام الأولى من الحرب، فأرسل على نفقته بعثة إعلامية من مندوبي الصحف الصغيرة التي تصدر في الأقاليم البريطانية، ووصلت البعثة إلى مصر وأرسلت تقارير واقعية ومحايدة عما يدور في جبهات القتال، وهو ما دفع الصحف البريطانية الكبرى إلى العودة إلى حيادها، وبذلك نجحت مناورة أخرى من مناورات الشيخ زايد في معركة الكرامة.
الفكرة من كتاب أصول الريادة الحضارية: دراسة في فكر الشيخ زايد
طالما تمسكت الأمة بآمال القومية العربية وسعت في ذلك مساعي شتى، أصيبت على إثرها بخيبات أمل طاحنة كان آخرها سقوط الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961م، إلا أن الصحراء أخرجت من رجالها من اعتاد الزوابع والتقلبات فتحدى الواقع، ولم يمر عقد واحد بعد سقوط الوحدة المصرية السورية إلا وقد خطا أول خطوة حقيقية تجاه هدفه عام 1968م، حتى تم له الأمر عام 1971م وأعلن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.
لكن عبقرية الشيخ زايد لم تتوقف عند نجاحه في توحيد القبائل التي لم تَعتَدِ الخضوع لولي أمر، بل تبلورت عبقريته في الحفاظ على ذلك الاتحاد وتقويته دون سلب الحقوق، ومواكبة المستقبل دون التملص من التقاليد، والكثير من المتناقضات التي حققها وانفرد بها بين الحكام التقليديين.
ولعل معركة أكتوبر 1973م هي أول ما يفد إلى الذهن عند الحديث عن ذلك الرجل، إذ تجرأ بقطع البترول عن الولايات المتحدة الأمريكية لأنها تساند إسرائيل، وقال مقولته الشهيرة “ما دام الدم العربي يسيل في أرض المعركة، فليس النفط العربي أغلى من الدم العربي”.
على كلٍّ، يمكن القول إن كثيرين تمكنوا من صنع التاريخ، لكن الشيخ كان من القلائل الذين ألبسوه صبغة عربية وإسلامية، لذلك استغرق د. نبيل راغب ثلاث سنوات في كتابة هذا الكتاب، درس فيها الجوانب التاريخية والديمقراطية والاقتصادية والإنسانية التي مكنت هذا الرجل من وضع حجر الأساس لدولة ستصبح أهم وجهة اقتصادية للعالم في ما بعد مع تمسكها بهويتها الإسلامية.
مؤلف كتاب أصول الريادة الحضارية: دراسة في فكر الشيخ زايد
نبيل راغب: (1940م – 2017م)كاتب وناقد ومترجم مصري، درس الأدب الإنجليزي في كلية الآداب جامعة القاهرة ونال شهادة الدكتوراه من جامعتي القاهرة ولانكستر بإنجلترا، عمل مستشارًا لوزارة الثقافة في مصر وأستاذًا زائرًا بجامعة إكستير بإنجلترا، له عدة مؤلفات تنوعت بين الرواية والنقد والفكر والفلسفة منها:
أدباء القرن العشرين.
دليل الناقد الأدبي.
دليل الناقد الفني.