حديات الانتقال إلى نظام عالمي جديد
حديات الانتقال إلى نظام عالمي جديد
لعل الآن بات واضحًا أن الإنسان ربما لأول مرة في تاريخه أصبحت لديه القدرة على تدمير الكوكب، بسبب امتلاكه تلك الترسانة المتطورة من الأسلحة ذات القوة التدميرية المرعبة، على الناحية الأخرى تفجرت المعرفة وانتشرت المعلوماتية بطريقة غير مسبوقة، ومما يميز هذا العصر أيضًا هو بروز ظاهرة الصراع والتعقيد والتشابك بين المشكلات التي يواجهها، إضافةً إلى عدم التكافؤ الاقتصادي والعسكري بين الدول وبعضها، وبروز المادية بوجهها القاسي في سبيل تراجع القيم الروحية.
ومع تلك الميول الثقيلة والتحديات المعاصرة وجنوح العالم ناحية الفوضى وعدم الاستقرار، وتزايد وطأة البؤس والفقر وانتشار العنف والتبعية والتخلف في العديد من دول العالم، أصبح لزامًا علينا إعادة النظر مجددًا في النظام الدولي المعاصر، فالتحدي الرئيس أمام العالم اليوم -كما يرى الكاتب- هو محاولة خلق التوازن بين القيم المادية والروحية، ولعل فشل النماذج التنموية المستوردة من الغرب في بلاد المسلمين كان بمنزلة الباعث الحثيث على العودة مجددًا إلى الأصول الثقافية والعقدية للعمل على تدشين أهداف تتوافق مع التحديات المستقبلية.
ويمكن القول إن استشراف عملية الانتقال نحو نظام عالمي جديد يمكن أن تنتظم وفق عدة سيناريوهات، الأول هو سياسة النفس الطويل، حيث تعتمد على السير وفق خطوات بطيئة بدلًا من إحداث تغييرات ثورية بصورة مفاجئة، تجنبًا لخروج الأمور عن السيطرة، وستعمل الدول الكبرى على فرض هيمنتها الحضارية على العالم الثالث، ولو استدعى ذلك النزاع العسكري المسلح، أما السيناريو الثاني فيجنح إلى تفكيك نظام القطب الأوحد وتحويل العالم إلى حالة أقرب من التعاون الدولي وإحداث نوع من الإصلاح التجاري والمالي والمصرفي العالمي، ومن هنا تظهر قوى إقليمية جديدة على الساحة تعمل على إحداث أنموذجها التنموي الخاص، وتختزل كثيرًا من تكلفة التغيير المرتقب للنظام العالمي الجديد.
الفكرة من كتاب الحرب الحضارية الأولى
يتلقف العالمَ اليوم الكثير من التجاذبات والصراعات، كما يعج كذلك بالعديد من التحليلات ما بين معسكر متفائل هنا وآخر متشائم هناك، لذا يسعى هذا الكتاب إلى العودة قليلًا إلى الوراء لسبر أغوار الماضي، ومحاولة تجاوز حتمية الاصطفاف بين أحد المعسكرين، واتخاذ موقف انتقائي لتوصيف مثالب هذا النظام العالمي القائم على هيمنة الحضارات وصراعها مع بعضها بعضًا.
مؤلف كتاب الحرب الحضارية الأولى
د. المهدي محمد المنجرة: اقتصادي وعالم اجتماع مغربي مختص في الدراسات المستقبلية، يعدُّ أحد أكبر المراجع العربية والدولية في القضايا السياسية والعلاقات الدولية، وُلد في الـ13 من مارس عام 1933م في الرباط في المغرب، التحق بجامعة كورنيل الأمريكية وتخصص في البيولوجيا والكيمياء، وفي عام 1954 واصل دراسته العليا بكلية لندن للاقتصاد للحصول على درجة الدكتوراه، وبعد عودته إلى المغرب عُين محاضرًا أكاديميًّا بالعديد من الجامعات المحلية والدولية، كما التحق بالعديد من المنظمات الدولية كاليونسكو والاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية، وحصل خلال مسيرته على جوائز عالمية منها جائزة الأدب الفرنسي من جامعة كورنيل، ووسام الاستقلال من الأردن، توفي في الـ13 من يونيو من عام 2014.
من أبرز مؤلفاته: “نظام الأمم المتحدة”، و”من المهد إلى اللحد”، و”القدس العربي”.