حجج نظرية الارتباط الضروري والإشكالات التي تواجهها
حجج نظرية الارتباط الضروري والإشكالات التي تواجهها
لا يمكن الاستدلال على نفي مبدأ السببية بأي شكل من أشكال الاستدلال، لأن كل محاولة لنفي مبدأ السببية تنطوي ضمنيًّا على الاعتراف به، وبناءً على ذلك نجد أن مبدأ السببية متقدم على جميع صور الاستدلالات التي يقوم بها الإنسان، كما استدل أصحاب نظرية الارتباط الضروري بالقرآن، حيث إن كثيرًا من آيات القرآن يمكن الاستدلال بها على السببية الطبيعية، كما في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾.
وتردُّ على النظرية إشكالات، أحدها، إذا كانت السببية علاقة حتمية، فكيف يمكن تفسير المعجزات التي ظهرت على يد الأنبياء (عليهم السلام)؟ ويجيب أصحاب النظرية بأنه تصرُّف ما وراء الطبيعة في الطبيعة بخرق السببية، والإشكال الثاني، أن مبدأ علاقة الحتمية السببية يفشل في تفسير فيزياء المستوى الكمومي التي يحكمها مبدأ عدم الدقة لهيزنبرج، ويجيب أصحاب النظرية بأن ذلك لا يبرهن على خطأ مبدأ السببية، حيث إن عدم القدرة على اكتشاف النظام الحتمي للذرَّة راجع إلى نقصان الوسائل العلمية، وعدم توافر الأدوات التجريبية الدقيقة للوقوف على جميع الظروف والشروط المادية للذرَّة.
إما الإشكال الثالث، فإذا كانت السببية بين الظواهر الطبيعية لا يمكن مشاهدتها بالحِس، فكيف يمكن إثبات السببية الطبيعية بين الظواهر؟ ويجيب أصحاب النظرية بأن هناك ضميمة “تشابه نوعي” تجعل الإنسان ينظر إلى بعض العلاقات على أنها عادية، وإلى أخرى على أنها سببية، فالتشابه النوعي بين (الحرارة والغليان) يتكشَّف شيئًا فشيئًا، فيتبيَّن لنا العلاقة السببية بينهما.
الفكرة من كتاب السببية بين العقل والوجود في الفكر الإسلامي
أمام كل ظاهرة تحدث، يجد الإنسان في ذاته الباعث الذي يدفعه إلى التساؤل: كيف؟ ولماذا؟ وما السبب؟ يبغي منها تحليل تلك الظواهر باحثًا عن سبب وجودها، واستكشاف العِلل الكامنة وراءها، ومن هنا كانت “علاقة السببية” بالنسبة إلى الإنسان هي الحلقة الأولى من كل سلسلة تفكير أو تساؤل، وقد يبدو لنا أن السببية مسألة محسومة ومنتهية، لكن المتعمِّق في الفكر الفلسفي، يجد أن الفلاسفة والسادة المتكلمين أرباب عِلم الكلام، قد ذهبوا فيها مذاهب شتَّى، محاولين فهمها وتفسيرها.
مؤلف كتاب السببية بين العقل والوجود في الفكر الإسلامي
الدكتور أكرم خفاجي: مهندس عراقي، تحوَّل إلى دراسة العلوم الشرعية، وحصل على الدكتوراه في العقيدة والفلسفة الإسلامية، من مؤلفاته: “متشابه الصفات بين التأويل والتفويض”.