حال السلف مع الدعاء
حال السلف مع الدعاء
جاء كثير من الأخبار والقصص عن أدعية كبار التابعين والسلف مناجاةً لله عز وجل في كرباتهم وتعبدهم بمصابهم، فعن كبار التابعين طاووس بن اليماني -رحمه الله تعالى- قال: سمعتُ علي بن الحسين – وهو من التابعين الزاهدين- وهو ساجد في الحجر يقول: “عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ، فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ، سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ”، قال: فوالله ما دعوت بها في كرب قط إلا كُشف عني.
وجاء في رواية الأصبهاني عن حاجب هارون الرشيد الفضل بن الربيع أنه دخل على هارون الرشيد يومًا فوجد حوله كثير من السيوف وأنواع أخرى من العذاب في انتظار الشافعي، فقال الفضل في نفسه: “ذهب هذا الرجل”، وأتى بالشافعي فطلب الشافعي منه أن يُصلي ركعتين فوافقه، ثم أكمل الفضل بأنه حين دخل الشافعي الدهليز الأول (أي الممر) حرك شفتيه بكلمات، وفعل مثل ذلك عندما دخل الدهليز الثاني، حتى أتى أمام الرشيد فقام إليه وأجلسه في موضعه، ثم أذن له بالرحيل ونادى الرشيد الفضل بأن يعطيه وعاء دراهم فحمله لأجل الشافعي، ثم خرجا معًا إلى الدهليز فأقسم على الشافعي بأن يقول له ما ردده للرشيد حتى يرضى عنه، فقال الشافعي:
“قلت: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ﴾، اللهم إني أعوذ بنور قدسك، وببركة طهارتك، وبعظمة جلالك من كل عاهة وآفة وطارق الجن والإنس، إلا طارقًا يطرق بخير منك يا رحمن، اللهم بك ملاذي قبل أن ألوذ، وبك غياثي قبل أن أغوث، يا من ذلت له رقاب الفراعنة، وخضعت له مقاليد الجبابرة، ذكرك شعاري، وثناؤك دثاري، أنا في حرزك ليلي ونهاري، ونومي وقراري، أشهد أن لا إله إلا أنت، اضرب عليَّ سرادقات حفظك، وقني برحمتك يا رحمن”، فكتبها الفضل، وكان الرشيد كثير الغضب عليه فكلما همَّ أن يغضب عليه رددها أمامه فيرضى عنه.
الفكرة من كتاب أثر الدعاء في دفع المحذور وكشف البلاء
يقول الله عز وجل في كتابه المُبين: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾، فالله خلقنا في أحسن تقويم، وألهمنا نفسًا سوية وفطرة سليمة، وهناك من يُزكي نفسه فيفلح، وهناك من يُدنسها بالخطايا والفجور فيخيب ويخسر، والنفس البشرية قائمة على فطرة الله فيها، ثم تنغمس في الحياة فتحتاج إلى تغذية وتزكية نفسية وروحية لترتقي، ومن أعظم هذه التغذية ووسائل الارتقاء الإيماني الدعاء، الذي قال فيه النبي (ﷺ): “الدعاء هو العبادة”، وفي هذا الكتاب يعرض لنا الدكتور محمد موسى الشريف أثر الدعاء في المسلم وأهميته في دفع البلاء، مُستدلًّا بالقرآن والسُنة ووقائع من سير الصحابة والصحابيات، ومن الأئمة السلف والتابعين بهدف تزكية النفوس والقلوب.
مؤلف كتاب أثر الدعاء في دفع المحذور وكشف البلاء
محمد موسى الشريف: كاتب وداعية إسلامي سعودي وإمام وأستاذ جامعي، وباحث في التاريخ الإسلامي، وطيار مدني أيضًا، فقد تمكن من إكمال الدراسة الأكاديمية الشرعية، وحصل على الدكتوراه في الكتاب والسنة، وحفظ القرآن الكريم وأجيز في القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة.
له مؤلفات عديدة منها: “أثر المرء في دنياه” و”عجز الثقات” و”الطرق الجامعة للقراءة النافعة”، و”مصطلح حرية المرأة بين كتابات الإسلاميين وتطبيقات الغربيين”، و”ضوابط منهجية في عرض السيرة النبوية”، و”التنازع والتوازن في حياة المسلم”.