حال أهل مصر وقت الأزمات
حال أهل مصر وقت الأزمات
الغلاء الذي مر على مصر أثر في جميع طبقاتها الاجتماعية، وتوفير العُملات النحاسية وكثرتها بأيدي الناس لم يكن له قيمة بسبب انتشار الغش في البلاد، وزيادة الأسعار لجَشع التجار، فانتشر الفساد وعمت المجاعات والأمراض.
فعند ارتفاع الضرائب وسرقة أموال الشعب بطريقة أو بأخرى، ظن حُكام البلاد وتجارها وأغنياؤها أنهم ناجون وفي مأمن من غلاء الأسعار، ولكن مع زيادة صك العملات النحاسية من دون حساب، وتجنب استخدام الذهب والفضة في العملات النقدية، ضعفت القوة الشرائية للأموال، ففقدت جميع العملات قيمتها عند شراء السلع، فمن يبيع بثمن غالٍ يشتري بثمن غالٍ ومن ثم لا يكسب الكثير.
ومع ذلك استطاع أصحاب الأموال والسلطة النجاة على جثث ضحاياهم من بسطاء الشعب من فقهاء، وطلاب علم، وأصحاب مهن ومن شابههم، فهؤلاء جميعًا أهلكتهم السنون من شدتها، وماتوا من الجوع والمرض. والخدم والحمالون والمساكين وأهل الحاجة انقرضوا تقريبًا من المجتمع، ومنهم من نجا وخصوصًا الفلاحين بعدما أغاث الله مصر بارتفاع منسوب النيل، فأنقذ أراضيهم فزرعوا وحصدوا المحاصيل، وانكشفت عنهم الغمة.
وقد اتبع الناس نظام المقايضة بدلًا من الشراء بالنقود، وذلك لشراء السلع البسيطة فقط دون السلع القيمة، وأثر ذلك في الأسعار وجعلها غير منضبطة، فقد استخدمت مدن الصعيد الودع الذي يُستخرج من البحر للشراء بدلًا من النقود، وكذلك تبادل الناس في الإسكندرية الخبز مقابل الخضراوات والبقوليات وما نحوها، وأهل الريف اشتروا أغراضهم ببعض الدواجن والدقيق.
وقد رأى المقريزي أن حل الأزمات يكمن في عودة النقد للدراهم الذهبية والفضية، فهما أساس التعاملات بين البشر، وأن تنحصر الفلوس النحاسية والفضة المضروبة في الصرف على بسائط المبيعات، فيزيد النفع بها، وتقل الأسعار وتثبت قيمتها، وذلك مع الحرص على الاقتصاد وعدم التبذير، فيكون في ذلك إنقاذًا للأمة وصلاحًا للأمور.
الفكرة من كتاب إغاثة الأمة بكشف الغمة
يرصد المقريزي نحو عشرين أزمة اقتصادية مرت بمصر تفاوتت في شدتها، فهلك فيها البلاد والعباد، ولاقت فيها فئات الشعب المصري ضروبًا من المحن والمآسي، وقد ظن أهلها أنها أزمات لن يكون لها مثيل على مر الزمان، وأنها فترات لن تمضي، ولكن ها هو يؤكد أن الأزمات تتكرر، فمنذ بداية الخليقة مرورًا بطوفان نوح عليه السلام، إلى أول أزمة اقتصادية في مصر في عهد “عبد الله بن عبد الملك بن مروان”، وصولًا إلى زمن تأليف هذا الكتاب في عهد “السلطان برقوق”، فقد اتفقت أسباب الأزمات وتصرف الشعوب حيالها ووقعت نتائج مشابهة في سائر الأقطار والبلدان.
مؤلف كتاب إغاثة الأمة بكشف الغمة
تقي الدين المقريزي، سمي بشيخ المؤرخين العرب لعظيم أثره في علم التاريخ، فقد كتب العديد من المؤلفات التي امتازت بالأسلوب العلمي والمنطقي.
تنحدر أسرة المقريزي من مدينة بعلبك بلبنان، ولكن والده انتقل إلى مصر طلبًا للعيش، فولد المقريزي في القاهرة وتوفي فيها، ونشأ نشأة علمية دينية جعلته من أبرز العلماء المسلمين في القرن التاسع الهجري – الرابع عشر الميلادي.
أهم مؤلفاته:
السلوك لمعرفة دول الملوك.
تاريخ الأقباط.
البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب.