جون الحائر بين الحب والمتعة.. ماركس الفيلسوف الشعبي
جون الحائر بين الحب والمتعة.. ماركس الفيلسوف الشعبي
لم يعِشْ هذا الفتى سنوات طفولة، ولم يكن له أصدقاء على الإطلاق، لكن عوضًا عن هذا جعله والده يسبق جيله بحوالي ربع قرن بأطنان من الكتب والمعرفة، وفي الفترة التي كان فيها أقرانه يلهون هنا وهناك، كان جون ستيوارت مل منشغلًا بترويج “النظرية النفعية” لبنتام التي تفسِّر وتُخضِع كل أفعال البشر إلى الألم والمتعة، حقَّق هذا التيار العقلاني رواجًا، ولكن عند الانتصار أدرك مل أن هذا الشعور ليس كاملًا، وفي عمر النضج أراد الحب وتعويض ذلك الركن الذي افتقده في طفولته، وأنقذه تيار الرومانسية من هذا الجفاف.
هذا العقل الجامع للعقلانية والرومانسية جعل آراء جون في الاقتصاد نسبية ودائمة التغير، فهو يرى أن سياسة السوق الحرة ومبدأ عدم تدخُّل الدولة ضروري ما عدا في المهام الاستراتيجية، رغم ذلك فقد كتب كثيرًا عن الضرائب وكيفية تطبيقها، ودعا لفرضها على الحفلات الصاخبة وما يشابهها من البذخ، يمكننا القول إن جون كان من أكثر الاقتصاديين حذرًا ومسؤولية، ولذلك هو أكثرهم تردُّدا واتخاذًا للمواقف الوسيطة، فقد أراد منح إعانة اجتماعية للفقراء لكن خشي أن تجعلهم تلك المعونات أقل تنافسية وأكثر إهمالًا، ودعا لفرض الضرائب على مظاهر البذخ، لكنه أيضًا أوصى بإلغاء الضريبة المتصاعدة لكيلا يُحجِم الناس عن الاستثمار وتوسيع الأسواق، آراء تليق بفيلسوف نفعي منتمٍ إلى الرومانسية.
على عكس جون، تمتَّع ماركس بالحياة العائلية، وظلَّ مُحبًّا لوالده طوال حياته، وربما يكون أكثر الفلاسفة الاقتصاديين تأثيرًا في العصر الحديث، ولذلك هو أكثرهم جدلًا، فقد رأى الرأسمالية كنظرية بلا مستقبل، وقد تنبَّأ أن التنافسية الشديدة التي تفرضها السوق الحرة، لن تؤذي إلا العمال، حيث سيضطر أصحاب رأس المال إلى توسيع أعمالهم، من أجل الحفاظ على التنافسية، ولن يمكنهم توفير الربح الا بالضغط على العمال وزيادة ساعات عملهم، ومع التقدم التكنولوجي، واستبدال الآلات للعمال، ستزداد معدلات البطالة، وتتراكم المنتجات على الأرفف ضاغطة على المستثمرين ومجبرة لمعظمهم على التوقف، وتنبَّأ ماركس أنه في هذه المرحلة بالذات سيسقط الستار كاشفًا عن الوجه القبيح للشيطان الرأسمالي، وتتحقق أمنيته في ثورة العمال، وهنا يأتي دورنا كقاضٍ للاقتصاديين، هل نجح تنبُّؤ ماركس؟ لا كبيرة، إذ تجاهل ماركس بالكامل دور القيادة والمخاطرة الاستثمارية في الإنتاج، فإن الابتكار وريادة الأعمال هو الجزء الذي يسهم به أصحاب المال، ويشاركون به في الربحية، ومن ثم فإن العمال يزدادون غنًى أيضًا مع المُلَّاك، فلماذا سيثورون إذًا؟
الفكرة من كتاب أفكار جديدة من اقتصاديين راحلين: مدخل للفكر الاقتصادي الحديث
شهدت العقود الماضية، منذ انهيار سور برلين والتفكُّك السلمي لدول الاتحاد السوفييتي، مفاجآت مدهشة متتابعة لعلماء الاقتصاد حينها، فطالما نظر الاقتصاديون التقليديون إلى الموارد الطبيعية باعتبارها المؤشر الرئيس للثروة والضامن الحقيقي للازدهار وزيادة ثروة الأمم، لكن التاريخ الحديث أثبت بالقطع فشل هذا المنظور، وتم التصديق على فشل النظرية الروسية في الاقتصاد، واقتنع الصينيون أخيرًا بهذا، وبدأت الصين نهضتها بدراسة مناهج الاقتصاد من هارفارد، وتوجَّهت بعض الأعين ناحية اليابان التي بدت كالقوة الاقتصادية الأكثر هيمنة في الثمانينيات، لكن هذا التفوُّق لم يُنتِج أي ابتكارات حقيقية تضمن لليابان السيطرة في المستقبل، فلماذا لم تستطِع روسيا أو اليابان وأمثالهم البقاء كرواد للاقتصاد العالمي؟ هذا وأكثر ما سيخبرنا به الاقتصاديون العظام.
مؤلف كتاب أفكار جديدة من اقتصاديين راحلين: مدخل للفكر الاقتصادي الحديث
تود جي باكولز: اقتصادي ومؤلف شهير، درس باكولز في جامعة هارفارد، وحصل على درجة علمية من جامعتي كامبريدج وهارفارد، وعمل مديرًا للسياسة الاقتصادية في البيت الأبيض، وكتب في العديد من الصحف الشهيرة مثل “نيويورك تايمز”، و”وول ستريت جورنال”، ومن مؤلفاته:
أفكار جديدة من مدراء راحلين.
ثمن الرخاء.
معلومات عن المترجمين:
كوثر محمود محمد: درست في كلية الألسن قسم اللغة الإنجليزية، وتخرجت عام 2008م لتعمل مترجمة في مؤسسة هنداوي، وترجمت العديد من الأعمال المتنوعة، مثل: مغامرات هاكلبيري فين لمارك توين، وفي قلب مصر لجون باردلي.
حسين التلاوي: مترجم حر، وعمل سابقًا في مؤسسة هنداوي كذلك.