جناية الحُرية!

جناية الحُرية!
إن “الحُرية” التي شهدها عصر الحداثة كان لها دور كبير في تعميم الجنس، بجانب ذلك دورها في انفتاح كل الإمكانات أمام الإنسان، والعديد من الخيارات التي لا حصر لها.

ونتيجة التضخُّم الجنسي مع الثقافة الاستهلاكية وانتشار الصور والمرئي في عصرنا، صار الإغراء الجنسي معيارًا في الاختيار الحديث؛ فالثقافة الاستهلاكية تُعزِّز قيم المُنافسة، وبالتالي نلاحظ التنافس الجنسي المُعمَّم، لأن هذه المنافسة وسيلة لتحقيق القيمة الاجتماعية للذات.
كما أن أدوات التجميل مربوطة بالإغواء الجنسي، وكذلك فالإعلام أدَّى بدوره إلى “تجنيس المرأة”، أي جعلها سلعة جنسية، وكلما كانت المرأة أكثر قدرة على أن “تُثير” كان طلبها أكثر، وهذا بدوره جعل “الإغواء” معيارًا للحُكم الذاتي في انتقاء الشريك.
أما بالنسبة للذكور، فإن النشاط الجنسي يعكس للرجل اكتساب وحفظ مكانته الاجتماعية بين الذكور، وكأن الجنس ساحة يتنافس فيها الرجال معًا من أجل تأكيد مكانتهم الجنسية، بوصفهم ذكورًا، وسبب هذه الحالة هو تقليص المكانة الذكورية في مساحات الحياة الأُخرى، كالعمل والمنزل والمجتمع، وصعود القيمة الأنثوية أمامها.
وأمام كل هذا المُتاح وكل هذه الخيارات، قابل الإنسان الحديث مشكلة جديدة كانت ضريبة “الحُرية”؛ وهي صعوبة الاختيار، فقد صارت عملية الاختيار أكثر تعقيدًا من ذي قبل، فهو في حاجة إلى تقويم الاختيار وقياس دقَّته، وهل سيصبح هناك خيار أفضل في المُستقبل؟ فصارت عملية الاختيار شاملة لعناصر حاضرة ومستقبلية، يُمارس عليها التحليل والتفكير العقلاني، والذي بدوره يُقلِّل التقدير الإيجابي للشخص.
بجانب ذلك فهو يحاول أن يكتشف حقيقة مشاعره، وأن يمارس عملية الاستبطان بشكل كبير ليعرف حقيقة تفضيلاته، ولكنه لا يُدرك أن تفضيلاته الفردية هي استجابة للموقف الاجتماعي المُتغيِّر بشكل مُستمر، وبالتالي فإن تفضيلاته تلك ستتغيَّر مع تغيُّر الظروف.
الفكرة من كتاب لماذا يجرح الحب: تجربة الحب في زمن الحداثة
لماذا يجرح الحُب؟ يُبدو السؤال في ظاهره سؤالًا مشوِّقًا لكثيرين مِمَّن مرُّوا بتجارب حُب مؤلمة، ولكن الحقيقة أن هذا الكتاب يُقدِّم الإجابة بشكل مُختلف، إذ إنه تحليلٌ اجتماعي مُقارن بين عصرين؛ الحداثة وما قبلها، فالحُب في كُل الأزمنة له حالاته المُصاحبَة بالألم، لكن في كتابنا توضح الكاتبة أن ألم الحُب في عصر الحداثة يختلف عن أيِّ ألمٍ للحُب في كل عصرٍ قبلها.
وذلك بسبب تغيُّر العديد من العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي بتغيُّرها تغيَّرت طبيعة الروابط الرومانسية، وقد حاولت الكاتبة توضيح تلك التغيُّرات من خلال تحليلها للنصوص الأدبية، وقيامها بعدد كبير من الحوارات واللقاءات مع عدد من الناس لتقيِّم حقيقة هذه التغيُّرات ومدى تأثيرها، لتُقدِّم لنا نتيجة هذه الدراسة وهذا التحليل في كتابنا.
مؤلف كتاب لماذا يجرح الحب: تجربة الحب في زمن الحداثة
إيفا إيلوز: عالمة اجتماع وُلِدت في مدينة فاس بالمغرب سنة 1961م، وكانت نشأتها في فرنسا وفي فلسطين -الأرض المُحتلَّة- والولايات المتحدة الأمريكية.
ركَّزت في مؤلفاتها على دراسة التقاطع بين تأثير الاقتصاد والثقافة في العاطفة والمشاعر، كما قامت بالكتابة في مواضيع مختلفة كالأدب والسياسة والشؤون الاجتماعية، وقد دُعِيَت لإلقاء المحاضرات في بلاد مختلفة، وفازت بعدد من الجوائز الدولية.
ألَّفت عددًا من الكُتب في عدَّة مجالات، منها:
Oprah Winfrey and the Glamour of Misery: An Essay on Popular Culture.
حميميات باردة: تشكيل الرأسمالية العاطفية.
معلومات عن المُترجم:
خالد حافظي: تونسي الجنسية، ويعمل أستاذ لغات ومترجمًا، وقد قام بترجمة عدد من الكُتب، ومنها:
الفلسفة: من الذي يحتاج إليها؟
هل يستطيع التابع أن يتكلم؟