جمال التربية في الخلافة الأموية
جمال التربية في الخلافة الأموية
بدأت الخلافة الأموية منذ عام 41 للهجرة بتنازل الحسن بن علي (رضي الله عنه) عن الخلافة لمعاوية (رضي الله عنه) حقنًا لدماء المسلمين، واستمرت هذه الخلافة 91 عامًا في محاولات لم الشمل، ونشر الدعوة، ودخل الكثير في الإسلام خلال هذه الفترة من جميع أنحاء العالم، فكان مع اتساع الرقعة الإسلامية اتسع وتعمق مفهوم التربية الإسلامية، ليكون مصدرًا أوحد للانطلاق في الحياة، حتى تم خلع بعض أمراء بني أمية نتيجة لسوء تربيتهم، وأفعالهم السيئة، كما حدث مع الوليد بن يزيد بن عبدالملك.
وصحيح أن الخلافة الأموية لم تتعمَّق في مدارج الحضارة، لكن مظاهر التربية الإسلامية عندهم كانت آخذة في التطور من ناحية المضمون والاستمساك بما سنَّه النبي (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء من بعده، إذ ظهرت وظيفة المؤدِّب، الذي كان يهتم بالجانب التربوي إلى جانب التعليم والتثقيف، وكانوا يوجدون بكثرة في بيوت وقصور الخلفاء الأمويين، وكان يتم اختيارهم بعناية، إذ كان بعض الخلفاء يختارونهم بأنفسهم، لتربية أبنائهم بغرض إخراج حاكم صالح قادر على إمامة الأمة، وإذا غالى المؤدِّب في تعظيم أبناء الخليفة، كان يتم تأديبه بالكلام، وأظهر هؤلاء المؤدِّبون نتيجة ملحوظة في تربية الأطفال، ولأجل هذا كان يتم إلحاقهم في الوظائف العليا في الدولة.
وكان العلم في المجتمع الأموي أصلًا من أصول الحياة، وكانت العلاقة بين العلم والتربية متوازية طردية، فلا يمكن مثلًا لأي طالب أن ينال العلوم والمعارف التي يبتغيها دون تخلُّقه بالآداب العامة، وكانت تتدخَّل مؤسسة الخلافة أحيانًا لتحديد النظام الأخلاقي والتربوي المترتِّب على طلب العلم، فمثلًا نهى عمر بن عبد العزيز المعلمين أن يحملوا الصبيان على الدواب؛ لتربيتهم على التواضع، وكان الرجل إذا رأى ابنه يرتكب خطأً أو يتهاون في أداء فريضة يُسرع في إخبار مؤدِّبه، ويتناقش معه في كيفية مساعدة ابنه لتقويم هذا الفعل.
وكانت النساء جزءًا أصيلًا من المنظومة التربوية في العصر الأموي، فنجد في هذا العصر من أخذت تُعلِّم الصبيان وحتى الرجال بما فتح الله عليها في هذا الأمر، كالسيدة معاذة العدوية بنت عبدالله البصرية العابدة الزاهدة، من أهل البصرة، فكان لها مجلس تُعلِّم فيه النساء، إذ دخلت على عائشة وأخذت منها العلم، كما أخذته من علي بن أبي طالب.
الفكرة من كتاب كيف ربَّى المسلمون أبناءَهم.. رحلة في تاريخ التربية الإسلامية
هذه رحلة في تاريخ التربية الإسلامية حيث يبدأ الكتاب بسرد هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) وخلفائه الراشدين في تربية وتعليم الأطفال ليتدرَّج بعد ذلك إلى مراحل التربية في الحضارة الإسلامية من أموية وعباسية ومملوكية، ثم في المغرب والأندلس، ليوضِّح هذا الجانب المهم من جوانب الحضارة الإسلامية، بل الداعم الأساسي الذي قامت عليه النهضة الإسلامية، وكل ذلك يؤكد أن التقدم الحضاري والمعرفي لهذه الأمة كان وفق مشروع تربوي عظيم أسهم بصورة موازية للمشاريع الحضارية الأخرى في الارتقاء والازدهار والتقدم الإسلامي.
مؤلف كتاب كيف ربَّى المسلمون أبناءَهم.. رحلة في تاريخ التربية الإسلامية
محمد شعبان أيوب: باحث في التاريخ والتراث والحضارة الإسلامية، مؤلف وكاتب صحفي، وعمل بمركز الحضارة للدراسات التاريخية، وله العديد من المؤلفات، منها:
رحلة الخلافة العباسية.
دولة المماليك.
بيري ريس أمير الحرب والبحر.