جسدي حقي
إن الناظر في التصوُّر الجسدي لدى الشريعة الإسلامية يلاحظ أنه يعتمد على عدة مبادئ، أولها: مبدأ الوسطية في تقدير مكانة الجسد، وتقدير حاجاته الفطرية بلا غلو أو احتقار، يقول تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَهُ لَا يُحِبُ الْمُسْرِفِينَ﴾، والمبدأ الثاني: مبدأ المسؤولية، التي تتمثل في أن كل إنسان مسؤول عما يصدر منه، يقول تعالى: ﴿كُلُ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾، ثم مبدأ الحكمة ونعني به عدم التسوية بين قدرات الرجل والمرأة الجسدية، وذلك لاختلاف بنيتهما التي خلقهما الله بها.
بينما في الجهة المقابلة من ناحية الثقافة الغربية نلاحظ أن التصور الجسدي مر بمراحل، فقديمًا كانت فلسفة سقراط وأفلاطون تحقير الجسد، واستمرت تلك الفلسفة بل وزادت في الفلسفة المسيحية التي احتقرت حاجات الجسد ودنستها، كما احتقرت المرأة وجعلتها سبب الخطيئة، أما فلاسفة العصور الحديثة فمجدوا الجسد وجعلوه في مكانة مرموقة، وحينما جاء نيتشه تمركز الجسد وتمركزت حاجاته وأنه من الواجب إشباعها من دون قيد، وأخيرًا مع فوكو الذي اعتبر أن الزواج والأسرة جميعها مؤسسات سلطوية تُقيد الجسد وتحد من ميله الطبيعي إلى فوضى المتعة والإبداع.
ولهذا كان الشعار المعروف نتيجة تلك الفلسفة وهو ما أطلقته منظمة العفو الدولية “إنه جسدي، إنها حقوقي”، والتي دعت الشباب فيها إلى اتخاذ قراراتهم في أجسادهم وحياتهم الجنسية، وبهذا لم تجد المرأة الغربية حرجًا في أن تُظهر مفاتن جسدها وتتباهى به، تمامًا كما دعت النسوية في عبارتها المشهورة “ما دُمتِ تملكينه فلماذا لا تباهين به؟”، وبتلك الشعارات وبتلك الثقافة أصبح تسليع الجسد واستخدامه في الدعارة وما شابهها أمورًا غير مُستنكرة، بل هي شكل من أشكال حُرية التملك، وكل تلك التناقضات من احتقار للجسد إلى تعظيمه أمور لا يعرفها الإسلام، فهو يضع الأمور في محلها ويجعلها في مسارها الشرعي، دون أن يظلم الإنسان نفسه أو يظلم غيره.
الفكرة من كتاب الحريم العلماني.. الليبرالي!
يمتلئ عالمنا بالأفكار التي تحاول تفسير الظواهر والأحداث، وكذلك الأفكار التي تكون نتيجة إجابة تساؤلات تردد على الفرد بين الحين والآخر، ومن تلك الأفكار والتساؤلات ما تخطه المرأة في حديثها عن ذاتها، وفي تحليلها وتأملها عما يدور من القضايا والأفكار التي تخص حياتها، لهذا جاءت كاتبتنا بتأمُّل وبحث طويل يُعبِر عن بعض التفسيرات لبعض التساؤلات، ومنها: هل المطروح فيما يخص قضايا المرأة في الوسط الفكري هو الأقرب للحقيقة؟ وهل هناك فجوة بين التنظير والتطبيق؟ وهل تُختصر النساء جميعًا في نموذج نسوي واحد؟ وغيرها من الأسئلة التي تكشف لنا حقيقة الأمر، لنضع كل شيء في مكانه الصحيح من غير تسفيه أو مُبالغة.
مؤلف كتاب الحريم العلماني.. الليبرالي!
ملاك بنت إبراهيم الجهني: كاتبة سعودية الجنسية، حاصلة على البكالوريوس في الشريعة الإسلامية، وعلى الماجستير في الثقافة الإسلامية، تعمل باحثة في مجال دراسات المرأة، وهي عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
من مؤلفاتها: “قضايا المرأة في الخطاب النِّسوي المعاصر: الحجاب أنموذجًا”، و”الحريم العلماني.. الليبرالي! مقالات وقراءات فكرية”.