جذور المأساة

جذور المأساة
نشأت يوغوسلافيا سنة 1918م تحت اسم مملكة الصرب والكروات والسلاف، وفي سنة 1939م تغير اسمها إلى يوغوسلافيا وقد تكونت من اتحاد ست جمهوريات هي صربيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا وسلوفينيا والجبل الأسود، بالإضافة إلى إقليمي كوسوفو وفويفودينا التابعيْن لصربيا، هذا التنوع في الجمهوريات المكوِّنة رافقه بالطبع تنوع في الأعراق والديانات، وبقيت يوغوسلافيا تحت الحكم الشيوعي حتى انهياره، حينها بدأت الجمهوريات المكونة في المطالبة بالاستقلال، فاستقلت سلوفينيا وكرواتيا ومقدونيا سنة 1991م وبعدها بعام واحد أجرت البوسنة والهرسك استفتاءً شعبيًّا جاءت نتيجته مؤيدة للاستقلال بنسبة تسعين بالمئة، إلا أن النتيجة لم تُرض صرب البوسنة فقاموا بأعمال شغب وعدوان مسلح أغرت صربيا بالهجوم على الجمهورية الإسلامية.

لكن هل كان قرار الاستقلال هو السبب الفعلي؟
في الواقع بدأ الصراع بين الصرب والبوسنة قبل وقت طويل من دخول الإسلام بلاد البلقان، فقبل وقت طويل نادت كنائس البوسنة بالمذهب البوجوميلي الذي يعد المسيح عبد الله ورسوله ويرفض فكرة التثليث، وهكذا نشأ التوتر بين الصرب والبوشناق وزادت حدته بعد اعتناق البوشناق الإسلام إذ وجدوا فيه ما يؤكد صدق دعوتهم، وهكذا أصبح البوشناقي بالنسبة إلى الصرب إما مسيحيًّا كفر بتعاليم المسيحية وإما مسيحيًّا ترك دينه واعتنق الإسلام، لكن ظلت الأمور هادئة نسبيًّا تحت السلطة العثمانية التي حكمت المنطقة قرابة أربعة قرون حتى فقدت سيطرتها عليها لصالح النمسا، حينها شُردت الأقلية المسلمة في القارة الأوربّية، فبدءًا من عام 1711م مورس ضد مسلمي البوسنة أبشع أنواع الإبادة على أيدي الصرب، فهجروا من مدنهم وقراهم وأسكنوا في السجون وقُتل منهم خلق كثير بلغ 103 ألف مسلم بين عامي 1941م و1945م فقط.
الفكرة من كتاب البوسنة والهرسك: نكبة المسلمين المعاصرة
كأننا في عام 1995م والحرب على أشدها في أرض غالية عُبد فيها الله سبحانه، كأننا نستمع لمراسل حرب عاش أجواءها وهو يمدنا -بعد بضع سنوات من اندلاعها- بتفاصيل المجازر وأعداد الشهداء وأحوال النازحين، نتابع معه أحوال تلك البلاد التي بلغت القاع وظُن أنها أندلس جديدة، يصيبنا اليأس، نتحسر، نبكي على انحداراتنا التي لم تعد تُحصى ثم نبتهج.. هناك أمل يلوح في الأفق، المقاومة بخير، وهي تدحر العدو عن أراضي الإسلام شيئًا فشيئًا، المجتمع الدولي مرتبك، والخصمان عنيدان، وخطة السلام المقترَحة تبدو مجحفة لأصحاب الأرض، فإلى أين تسير الأمور؟ هل ستضع الحرب أوزارها أم إن المجازر ستستمر؟
مؤلف كتاب البوسنة والهرسك: نكبة المسلمين المعاصرة
محمود بيومي: كاتب وصحفي مصري ولد عام 1946م، درس اللغة العربية في كلية الآداب جامعة عين شمس، وعمل رئيسًا لتحرير مجلة العربي في الفترة من 1992م إلى 2000م، وقد ألف عدة كتب منها:
اعتقال شعب: مأساة المسلمين في آسيا الوسطى.
الإسلام في خطر.