“جاري توتورو”.. البحث عن الزمن المفقود
“جاري توتورو”.. البحث عن الزمن المفقود
بينما دارت الأفلام السابقة خارج اليابان وجابت حول مشكلات العالم، قرر ميازاكي أن يكون هذا الفيلم تذكرة عودته إلى بلاده ومتاعبها، في فيلم “جاري توتورو” ندخل مع المخرج إلى يوتوبيا من نوع آخر، في ذلك العصر الصناعي الذي تخلت فيه اليابان عن هويتها الريفية، يعرض علينا ميازاكي لمحة من ماضٍ وهوية مفقودة، ويقدم لمشاهديه رؤيته لطبيعة العلاقة بين البشر والطبيعة، كان ميازاكي واحدًا من ذلك الجيل الذي كره اليابان في الثمانينيات، وقد حاز الفيلم شعبيته الكبيرة بفضل ذلك الجيل أيضًا، لم يخطف الفيلم أنظار الكبار فقط، فقد سُحر الأطفال كذلك بالمخلوقات الخيالية العديدة التي قدمها، ثم يضرب ميازاكي طوال الفيلم على وتر الحنين عن طريق أبطاله الأطفال والمغامرات الممتعة التي يخوضونها، لكنه لا ينسى المتاعب، وفي هذا العالم الخيالي تُصبح أكثر المشكلات قتامة هي التي تتصل بالعالم الواقعي.
يدور الصراع الأساسي حول أم مُصابة بالسل، وأطفال عليهم أن يعتنوا بأنفسهم، وطوال الفيلم ننتظر كيف سيرد هؤلاء الأبرياء على تلك التحديات، ثم يقدم ميازاكي لأبطاله الغاية التي يبدو أنه تمناها طويلًا في طفولته، يعوضهم بكائنه الخيالي “توتورو” عن أمهم المفقودة، هذا المخلوق الذي يبقى هادئًا وصامتًا على الدوام، لكنه يظهر بظهور المتاعب ويُهدي خدماته بلا مقابل، في نهاية الفيلم لا ينسى ميازاكي أن يذكرنا بضحية الحداثة الكبرى وهي الشبكات الاجتماعية التي تم تفكيكها، حيث تضيع الأخت الصغرى وتشرع شقيقتها في البحث دون طلب أي مساعدة، فقط السؤال عنها، لم تهرع إلى القرويين لحل متاعبها، ولكننا نرى جميع القرية تخرج في إثرها وتبحث عن أختها، وتشرق الابتسامة على وجوه الجميع لحظة العثور عليها، ثم يكشف لنا ميازاكي وصفته السرية لإرساء التناغم بين البشر والطبيعة، علينا نحن البشر ألا نتخطى الحدود ونبقى صامتين دون عبث.
الفكرة من كتاب عالم الإخراج: رحلة مع المخرج هاياو ميازاكي
تعارف الجمهور واتفق على وضع أفلام الرسوم المتحركة بمنطقة قريبة من الهزل وبعيدة عن الواقع وجديته، إذ تسيطر عليها موضوعات يغلب عليها طابع البطولة الخيالية، ويقصد معظمها فئات عمرية بعينها، حتى أفلام الأنمي اليابانية التي اقتربت ولو قليلًا من متاعب العالم، لم تكن جدية بما يكفي ولم يكن أبطالها على ذلك القدر من التعقيد والتركيب البشري، لكن ميازاكي الذي أتى من عالم القصص المصورة و مجلات المانغا، لم يوافق على تطويع فنه وملامحه ليوافق الشاشة والجماهير، بل نقل هذا العالم المعقد والمليء بالمشاعر والسريالية إلى التليفزيون وفق رؤيته الخاصة.
وقد ظل السؤال مطروحًا: هل يمكن لمخرج أفلام متحركة أن يكون مبدعًا وتتساوى أفكاره وعالمه الخيالي بمبدعي الأفلام الواقعية؟ أجاب ميازاكي على هذا السؤال حتى قبل حصوله على الأوسكار، حين مزج في عالمه الخيالي بين مشكلات الواقع وأمل البشر في مستقبل أفضل، لقد أعطى جمهوره شيئًا فقدوه ثم نسوه
مؤلف كتاب عالم الإخراج: رحلة مع المخرج هاياو ميازاكي
سوزان جاي نابير: معلمة ولغوية أمريكية، ولدت سوزان عام 1955 م بكامبريدج في الولايات المتحدة الأمريكية، أكملت دراستها الجامعية بجامعة هارفارد حيث أتمت دراستها العليا كذلك، عملت سوزان في جامعة لندن، ومحاضرةً زائرةً في جامعة هارفارد، من أهم أعمالها:
Anime from Akira to Howl’s Moving Castle: Experiencing Contemporary Japanese Animation
From Impressionism to Anime: Japan as Fantasy and Fan Cult in the Mind of the West
The Fantastic in Modern Japanese Literature: The Subversion of Modernity
معلومات عن المترجم:
أحمد الزبيدي: كاتب وأديب ومترجم عماني، ولد عام 1945 م بمدينة ظفار في سلطنة عمان، وعاش طفولته متنقلًا بين عديد الدول العربية بغرض الدراسة، وتوفي عام 2018 م، من أهم أعماله:
سنوات النار.
امرأة من ظفار.
ترجمة رواية عامل المناخ.
ترجمة كتاب حروب وأساطير من معركة مجدو إلى سقوط روما.