ثمار التجارة الحرة
ثمار التجارة الحرة
عادة لا تتلاقي آراء عموم الناس مع نظريات علماء الاقتصاد في العديد من الأمور، ويظهر هذا الانقسام بشكل واضح عند مناقشة فكرة التجارة الحرة، فبينما يزعم الاقتصاديون بشكل شبه قاطع أن التجارة الحرة يمكنها رفع “إجمالي الناتج المحلي” GNP لكل الدول المشاركة، ورفع مستوى الرفاهية للسكان بسبب وفرة المنتجات الرخيصة وفرص العمل المصاحبة لعمليات التبادل التجاري، إلا أن الواقع لا يوافق هذا المنظور، فمع زيادة حركات الانفتاح الاقتصادي، ظهرت معدلات عالية من انعدام المساواة وانخفاض الأجور، فعلى سبيل المثال عندما قامت الباحثة الاقتصادية بجامعة MIT “توبالوفا” بدراسة التأثير الذي تعرضت له مناطق عدة في الهند نتيجة للانفتاح الاقتصادي، وجدت أن الأماكن الأكثر انفتاحًا شهدت انخفاضًا في معدلات تدني الفقر وعمالة الأطفال مقارنة بغيرها من المناطق، مما يجعلنا نتساءل: لماذا لا نجني ثمار التجارة الحرة التي لا يَكُفْ الاقتصاديون عن ترديدها؟ يوضح الكتاب أنه في نموذج “ستولبر-صامويل” عن التجارة الحرة، تصدِّر كل الدول المنتجات الأقل تكلفة في الصناعة والأعلى سعرًا مقارنة بغيرها في ما يعرف ب”الميزة النسبية”، على عكس مفهوم “الميزة المطلقة” الذي يعني إنتاج وتصدير كل ما يمكن تصديره، في أثناء ذلك تستهلك الدول الفقيرة العمالة المتوافرة لديها في مقابل رأس المال لدى الدول الغنية، هذا النموذج ينتج عنه ارتفاع مستوى دخل الفقراء في الدول الفقيرة والعكس يحدث في الدول الغنية (يفترض النموذج أن الدول الغنية يمكنها التكفل بمواطنيها الفقراء من خلال الفائض من أرباح التجارة)، وفي العموم تتقارب مستويات الدخل محققة قدرًا أكبر من المساواة.
في الواقع هناك أسباب عدة تُعِيق هذا النموذج، منها أنه يعتمد بصورة كلية على قدرة الموارد البشرية ورأس المال على الانتقال بين أجزاء الاقتصاد لتحقيق أعلى كفاءة ممكنة، وهو أمر صعب الحدوث لأنه كما ذكرنا سابقًا، لا يفضل أغلب السكان الانتقال بحثًا عن فرص أفضل للعمل، وكذلك لا يتوافر رأس المال بصورة سهلة لتمويل المشاريع التي تستحق النمو، بسبب التصميم الاقتصادي العالمي القائم على دعم العلامات التجارية الشهيرة والشركات أصحاب الثقة، مما يؤدي إلى تعثر الاقتصاد في الدول النامية، ولهذا السبب تنجح التكتلات الاقتصادية التي تهدف إلى بناء رصيد من الثقة تتشاركه الشركات في ما بينها، مثل الشهرة بالإبداع والجودة لدى شركات التقنية ب “سيليكون فالي”، ويرى الكاتب أن هذه الفكرة يمكنها أن تساعد النماذج الاقتصادية الصغيرة على النمو، مع الأخذ في الاعتبار أن إصابة جزء من هذا التكتل يمكن أن تؤدي إلى تدهور سريع لباقي الأجزاء.
الفكرة من كتاب اقتصاديات جيدة للأوقات الصعبة
بعدما حقق كتاب “اقتصاد الفقراء” نجاحًا في وصف الطبيعة الاقتصادية للفقر وتقديم حلول عملية لمحاربته، قرر الكاتبان الشروع في دراسة المشكلات الاقتصادية الأكثر بروزًا في الدول المتقدمة، وذلك لوجود أوجه تشابه كبيرة بينها وبين تلك المشكلات التي تظهر في الدول النامية، إلى جانب التأثير المتبادل في ما بينها، فالعالم بأكمله يعاني من تبعات التقدم التكنولوجي وتأثير ذلك في فرص العمل والأجور، وكذلك زيادة التفاوت في مستوى الدخل، وانعدام الثقة في الحكومات وعلماء الاقتصاد في ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية، ويرجع الكتاب ذلك إلى أن علماء الاقتصاد نادرًا ما يحاولون توضيح المنطق المعقد لأغلب القرارات الاقتصادية التي تخص العامة، موضحًا أن الاقتصاديين ينتهجون أسلوبًا يعتمد على البديهة والعلم معًا، كما أن المعايير الاقتصادية مثل مستوى الدخل يمكن أن تكون مضللة وتؤدي إلى استنتاجات خاطئة، ولذلك يحاول الكتاب أن ينتهج أسلوبًا يوضح الواقع من خلال الحقائق، آخذًا في الاعتبار الرغبة البشرية في تَلَقِّي التقدير والاحترام، وهو يطلب من القارئ أن يشاركه النقاش والأساليب العلمية في تقصي الحقائق.
مؤلف كتاب اقتصاديات جيدة للأوقات الصعبة
أبهيجيت بانرجي وإستر دافلو: باحثان في الاقتصاد بجامعة MIT، وحاصلان على جائزة نوبل عام 2019 تقديرًا لجهودهما في تقديم حلول جديدة وعملية للمشكلات التي تواجه الفقراء في العالم، إذ أسهم الكاتبان في إنشاء معمل “عبد اللطيف جميل” لمكافحة الفقر، الذي يجري تجارب عشوائية مُحْكَمَة بهدف الحصول على معلومات، ونشر أوراق بحثية تساعد على تقديم برامج قابلة للتنفيذ، بالتعاون مع المنظمات المعنية بتقديم الدعم للفقراء، الحكومية والتطوُّعية، كما ألفا كتاب “اقتصاد الفقراء” الذي فاز بجائزة أفضل كتاب اقتصاد لعام 2011 من مجلة فاينانشيال تايمز.