ثلاثة آلاف عام من المستقبليات
ثلاثة آلاف عام من المستقبليات
لعلَّ بداية عدِّ الدراسات المستقبلية حقلًا معرفيًّا لا يتجاوز نصف قرن من الزمان، لكن في الحقيقة فإن فضول الإنسان وسعيه إلى الإجابة عن سؤال: ماذا سيحدث غدًا وبعد غدٍ وفيما هو قادم؟ قد بدأ منذ ما يقرب من ثلاثة آلاف عام، فقد ارتبطت وظيفة الأنبياء بمعرفة المستقبل، فالنبي مفوَّض من قبل الإله، ولما كان المستقبل جزءًا مقدرًا بتدبير الله، إذًا فتصديق الأنبياء مرتبط بمدى تصديقهم في الإخبار عما سيقع مستقبلًا، كذلك كانت الكهانة في أوروبا إبان القرون الوسطى تعبيرًا عن السعي إلى معرفة المستقبل.
وقبل ألف سنة من الميلاد ظهرت النزعة اليوتوبية التي تمنح البشر الأمل في مستقبل أفضل، تُحلُّ فيه المشكلات من قبيل نقص الغذاء والسكن والملبس والأمن، بدلًا من الاعتماد على الآلهة، كذلك تخيَّل الفيلسوف أوجستينوس في كتابه “مدينة الرب” مجتمعًا مستقبليًّا يقوم على المحبَّة، ويستمدُّ مقوِّماته من التعاليم المسيحية في زمانه.
بعد ذلك بقرون؛ تحديدًا في القرن الثالث عشر الميلادي نشر الفيلسوف روجر بيكون كتابه “رسالة في الأعمال السرية”، توقَّع فيه أن العلم سيؤول يومًا ما إلى اختراع الإنسان عربات تتحرَّك من غير حيوانات، واختراع آلات طائرة تتيح للإنسان التحرُّك في الهواء بواسطة أجنحة تجعله كالطيور، هنا تظهر أهمية الأدب، فما كان خيالًا قبل عقود أصبح الآن حقيقة، وتبرز أفلام الخيال العلمي هذا بوضوح.
أيضًا استخدم ليوناردو دافنشي ريشته ليعبِّر عن نماذج شاملة لآلات تطير في الجو وآلات للحرب، كما رسم نموذجًا شاملًا لمدينة “مثالية” تضم طرقًا وبنية تحتية جيدة، وأنظمة صرف صحي ومباني ذات فتحات تهوية، كان ذلك تصوُّره لمدينة تستطيع منع انتشار الطاعون الذي اجتاح مدينة ميلانو وقتها، كل ما تخيَّله دافنشي صار واقعًا فيما بعد، لذلك فهو معدود من أوائل المستقبليين.
الفكرة من كتاب المستقبل: مقدِّمة وجيزة
تتعالى الأصوات بين الحين والآخر محذِّرة من الأخطار التي يحملها المستقبل كأزمات المناخ وتناقص مصادر الطاقة، إلا أن ثمة رأيًا آخر يرى أن المستقبل المظلم ليس حتميًّا، وأن الإنسان لديه قدرة على التدخُّل بطريقة إيجابية في الحاضر، مما يجعله يتلافى كوارث المستقبل!
يهدف هذا الكتاب إلى إبراز الأبعاد المختلفة لحقل الدراسات المستقبلية، الذي يعدُّ حقلًا أكاديميًّا عابرًا للتخصُّصات، فوعي الإنسان بأهمية استشراف ما سيحدث في المستقبل أدَّى إلى ظهور مقاربات متعدِّدة ومتنوِّعة يسهم فيها آلاف الأساتذة والباحثين والممارسين والطلاب من ثقافات شتى.
مؤلفة كتاب المستقبل: مقدِّمة وجيزة
جنيفر جيدلي: باحثة أسترالية في الدراسات المستقبلية وعلم النفس، وهي أستاذ مساعد في معهد المستقبليات المستدامة في سيدني، ورئيسة الاتحاد العالمي لدراسات المستقبليات.
صدر لها كتب عدة منها: “التعليم ما بعد الرسمي: فلسفة من أجل مستقبليات معقَّدة” و”سر نمو الأطفال المتفوقين”.