ثقافة متصلة.. الإرث القديم لا يزال فاعلًا
ثقافة متصلة.. الإرث القديم لا يزال فاعلًا
يجنح الكثير من المستشرقين إلى إيجاد أي رابط بين العادات المتوارثة في الموالد الشعبية المصرية وبين الاحتفالات الوثنية في أيام مصر القديمة، إذ تجذب العديد من المشاهد المتشابهة أولئك الباحثين وتغريهم أكثر بالاستكشاف، ففي الحضارة القديمة كانت المراكب النيلية عنصرًا مهمًّا في المراسم التي تُقام للآلهة، ونجد تلك العادة ما زالت موجودة في بعض الموالد بالصعيد، ربما اختفت بعض تلك المشاهد من القاهرة حاليًّا، لكنها شُوهدت في القرن العشرين ووثَّقها الرحَّالة، ولكن للتثبُّت من هذا الانتقال والتوارث من القبطية إلى التصوف الإسلامي، سنلتفت إلى العنصر الوسيط بينهما، لننقِّب أكثر عند سادة الطقوس والرمز.
ربما لا تكون الموالد المسيحية بنفس كثافة الموالد الإسلامية، وذلك لاختلاف مفهوم الولي المسلم من المقدس المسيحي، فالموالد المسيحية لا تقام إلا للرموز المسيحية الكبرى، والتي استشهدت في سبيل الدعوة، والقداسة المسيحية لا تُكتسب أو تُورَّث، كما سنوضح في الفقرات التالية، ربما اتفقت الموالد المسيحية والإسلامية في الصخب، لكنها اختلفت بشكل كبير في مظاهر الاحتفال الأخرى، فغالبًا ما يستحوذ جو تجاري على الموالد المسيحية، كما يغيب فيها العنصر الموسيقي بالكامل، وتختفي ثقافة الإطعام وبركة الكرم بالكامل، ولكن لا يختفي الطعام، فالحمص لا يغيب عن أي مولد طالما وُجد المصريون به، ولكن على الجميع شراء ما يريده، هذا الجو التجاري ينزع الملمح الشعبي من الموالد المسيحية ويحصرها في طبقات معينة، كما يشوب المولد المسيحي دائمًا جوٌّ من الانتظار وتمنِّي ظهور علامة أو تجلٍّ ما، وحتى لو لم يظهر أحد فإن التأويل المسيحي جاهز لاعتبار وجود حمامة أو حتى صوت لرفرفة الأجنحة، تجلِّيًا وبركة من العذراء أو إحدى القديسات، أما المسلمون فتكفيهم الأحلام والرؤى.
الفكرة من كتاب الموالد والتصوف في مصر
إن التلاحم بين العناصر الدينية وغيرها في الشرق الأوسط، يظهر بشكل واضح في العديد من الممارسات الصوفية، تلك المشاعر المختلطة بين الخشوع والرجاء، والرغبة والرهبة، تذهل كل من يعاينها ويختلط بأصحابها، وقد شهد الدكتور الهولندي نيكولاس تلك الموالد، ووثَّق حوادثها بمشاعر الرحالة، واختلط بالمشايخ والمريدين لينقل لنا صورة معاصرة لتلك المذاهب، وهي بالتالي مختلفة بالكامل عن الصورة الأكاديمية والنماذج الذهنية المُعدَّة لها، ولا يختصُّ الكتاب بالخلافات المذهبية بين الصوفية وغيرهم بشكل مباشر، فقط إنها عين أوروبي يوثِّق الأفكار التي لم يرَها خارج الكتب من قبل.
مؤلف كتاب الموالد والتصوف في مصر
نيكولاس بيخمان: وُلِد في هولندا عام 1936م، والتحق بجامعة لايدن في هولندا، حيث درس اللغات الشرقية؛ العربية والتركية، وحصل على درجة علمية في الدراسات الإسلامية، كما عمل سفيرًا لهولندا في الأمم المتحدة، وشغل منصب السفير الهولندي في القاهرة بين عامي 1984 و1988 م.
من مؤلفاته:
سكوبيا أحباب الله.
العيش في التصوف.
معلومات عن المترجم:
رؤوف سعد: درس الصحافة والمسرح وعمل بهما، ويقيم حاليًّا في هولندا، وله عمل روائي بعنوان “بيضة النعامة”.