ثقافة الموضة المنهجية
ثقافة الموضة المنهجية
لم ترَ الموضة -بمعناها الحرفي الذي نعرفه- النور إلا في منتصف القرن الرابع عشر، فبدايةً من هذا الوقت بدأ ظهور نمط جديد من الأزياء “قصير ومعتدل بالنسبة للرجال مع جوارب طويلة ترسم السيقان، طويلة وضيقة بالنسبة للنساء تكشف الصدر” كبديل عن الرداء الطويل الذي كان يرتديه كلٌّ من الرجال والنساء في أوروبا، وكانت هذه هي بداية ثورة الأزياء التي وضعت حجر الأساس للزي الحديث الذي يعد تحولًا استثنائيًّا في الزي قد أسَّس لخلاف مميَّز بين الأزياء الرجالية والنسائية، حيث ظهرت وانتشرت الأزياء النسائية التي تظهر الأرداف وتكشف الصدر والبطن وتفاصيل الجذع، إضافة إلى حشوات كانت توضع مخبأة أسفل الثوب لإظهار مفاتن الإناث بشكل أكبر، كما أصبح هناك تنوُّع وانتشار متسارع للأزياء أكثر شططًا واعتباطية، وقد صار هذا التنوُّع والتغيُّر في الأزياء قاعدة وسمة أساسية من سمات المتع والرفاهية بالنسبة للطبقات الراقية في أوروبا الغربية، وخلال عصر التنوير في أوروبا، حصل تسارع كبير جدًّا في الموضة: “فقد كانت الموضة تتغيَّر من شهر لشهر، ومن أسبوع إلى أسبوع، بل وصل الأمر أنها كانت تتغيَّر من ساعة لساعة!”.
إن هذا التغيير المستمر الذي فرضته الموضة على الأزياء بشكل متلاحق لم يكن تغييرًا جذريًّا على الشكل والتصميم، بل كان يتعلَّق في المقام الأول بالعناصر الأكثر دقَّة كالأكسسوارات ودقة الزخارف وتزيينات الثوب، كما نجد أن طول الثوب وضيقه كان في حالة تجدُّد دائمة ومستمرة، وهذا لا يعني أن الموضة لم تعرف تغييرات جذرية في الثوب، لكنها كانت نادرة، وظلَّ منطق التغييرات الصغرى هو ما تتسم به الموضة على وجه الخصوص، فكما يقول (سابير): “تغيُّر وتنوُّع في قلب سلسلة معروفة”.
فالموضة إلى جانب كونها ميل الإنسان نحو التجديد والعناية بالمظهر والرغبة في التميز، فهي أيضًا شكل من أشكال القطيعة التاريخية مع الماضي، إلى جانب كون القيمة قصيرة الأجل التي تقدِّمها الموضة تعمل على “الانفصال عن الترابط المجتمعي”، فخلال عصور التقليد كان يسيطر على الإنسان نفوذ الأسلاف من حيث تقليدهم ومحاكاتهم والتشبُّه بهم، بينما في عصور الموضة يسيطر على الإنسان تقديس صيحات الموضة ومحاكاة كل ما هو جديد وأجنبي، فبذلك ينصرف الناس عن تقليد الأسلاف والتوجُّه إلى التشبُّه بالمجددين المعاصرين، وبالتالي فالموضة يحكمها مبدآن أساسيان هما: حب التغيير والانعتاق من الموروث القديم وازدراؤه، والاحتفاء بالحاضر الاجتماعي والتفاخر به واحترامه.
الفكرة من كتاب مملكة الموضة زوال متجدِّد.. الموضة ومصيرها في المجتمعات الغربية
ظلَّت الموضة خلال مراحل التاريخ المختلفة تابعة للعادات ولا تخرج عليها، وبالتالي بقيت الأزياء في الحضارات المختلفة في حالة استقرار لا يأتي عليها جديد، إلى أن جاءت المدنية الغربية وعصر الحداثة لتنقلب الموضة على كل ما هو قديم منكرة للماضي ومتمرِّدة على التقاليد في مقابل احتفاءها بالحاضر، ومن هنا يبحث المؤلف من خلال كتابه هذا نشأة الموضة كونها ظاهرة قصيرة الأجل ومتناقضة، إلى جانب بحثه في أسباب هذا السيل الجارف من الأزياء وانتشار الملابس الرياضية وثقافة الجينز في سياق فكري وفلسفي.
مؤلف كتاب مملكة الموضة زوال متجدِّد.. الموضة ومصيرها في المجتمعات الغربية
جيل ليبوفتسكي ، هو فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي، اشتهر بنقده للحداثة وما بعد الحداثة، وله العديد من المؤلفات في ذلك، ومنها: “المرأة الثالثة”، و”الترف الخالد”، و”عصر الفراغ.. الفردانية المعاصرة وتحوُّلات ما بعد الحداثة”.
معلومات عن المترجمة:
دينا مندور، مترجمة وباحثة مصرية، حاصلة على درجة الماجستير في “إشكاليات الترجمة” من جامعة إكس مارسيليا في فرنسا، كما أنها عضو لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة في مصر، لها العديد من الترجمات، منها: “مملكة الموضة”، و”المرأة الثالثة”، وغيرهما.