ثقافة اللوْم
ثقافة اللوْم
ثقافة اللوم ذات طبيعة متزمِّتة، فهي تشجِّع على الخوف والتضحية بمن لا ذنب له عبر إلقاء اللوم على الآخرين، فيمتنع الناس حينها عن الاعتراف بأخطائهم، فمثلًا لو حدث خطأ ما داخل إحدى المؤسسات يكون هدف المؤسسة هو إيجاد الفاعل ولومه وتوبيخه، وإن كان الخطأ فادحًا ربما تتخذ ضده بعض العقوبات القاسية، ووجود شخص يتم إلقاء اللوم عليه يُعطي انطباعًا بأن القضية قد أُغلِقت، ما يُريح الآخرين من اللوم، ويُسكِت تكهُّنات الصحافة، ويُعتِّم على حقيقة وقوع الكارثة ويبقى السبب خفيًّا أو متجاهلًا، ولا شك أن الشخص يستحق اللوم إن كان هو المخطئ، ولكن لا ينبغي أن نغض النظر عن باقي الأمور التي أدَّت إلى تفاقم تلك المشكلة.
فمثلًا: لو كان هناك شخص يعمل على سفينة، وغرقت تلك السفينة بسبب توانيه عن إغلاق أبواب الشحن، لأنه كان يغطّ بالنوم ونسي إغلاقها، الطبيعي أن نضع عليه كامل اللوم لأنه أخطأ وتكاسل عن أداء عمله، ولكن ماذا لو اكتشفنا أن هناك أحد العمال لاحظ أن أبواب الشحن لم تغلق، ولم يفعل شيئًا حيال ذلك لأنها ليست من أعماله؟ هنا تتغيَّر ثقافة اللوم تمامًا، ويكون هذا الشخص يستحق اللوم أكثر من الشخص الآخر، ولذا يجب أن ننظر إلى كامل الصورة والعواقب التي حدثت، قبل أن نُلقي اللوم على شخص بعينه ونعتبره كبش الفداء، كي نضمن عدم وقوع مثل تلك الكارثة مجددًا.
وثقافات اللوم تُطفئ روح المبادرة الشخصية، وتشجِّع حماية الذات، وتُولِّد ما يُسمَّى بمتلازمة الأنظمة الهشة، فحينها تصبح المؤسسة أكثر ميلًا إلى العطب وحدوث الأخطاء، لكونها تبحث عن شخص لتلومه، وليست تبحث عن حل لتفادي وقوع ذلك بالمستقبل، بمعنى آخر تعتمد نهج (من أفسد..؟) بدلًا من نهج (كيف نُصلح..؟).
ويجب علينا اعتماد ثقافة العدل، إذ إنها تُوفِّر بيئة يتمتَّع فيها الأشخاص بحرية الاعتراف بالأخطاء، وتقديم الاقتراحات، والانضمام إلى الآخرين من أجل معالجة المشاكل، وهي ليست خالية من اللوم ولكنه يوجد فيها بنسبة أقل، لأنها تتميَّز بشكل أساسي بالانفتاح والشمولية والإنصاف.
الفكرة من كتاب صناعة اللَّوم.. المساءلة ما بين الاستخدام وسوء الاستخدام
عندما يحدث خطأ ما في حياتنا يكون رد فعلنا الأول والطبيعي هو البحث عن شخص نُلقي عليه اللوم، إذ يُشكِّل اللوم جزءًا كبيرًا من حياتنا، فهو وسيلة لتحديد موقفنا، كما يتشكَّل كثير من فهمنا للوم من الأخبار، لأنه هو ما يصنع الأخبار، ويُتيح ترويجها وبيعها، واللوم مهم لأنه على ما يبدو يفسر بعض الأمور مثل “لماذا هناك بطالة؟”، فتكون الإجابة: “خطأ الحكومة التي جعلت الأجانب يُسيطرون على الوظائف”، إذًا اللوم هو وسيلة سريعة لإيصال المقصود عندما نَشعر بتهديد ما، وهو لغة الاتهام والدفاع عن النفس، لكن لماذا اكتسب اللوم هذا القدر من الأهمية في العديد من المجالات؟ وما عواقبه؟ هذا ما سنتعرَّف عليه في السطور القادمة.
مؤلف كتاب صناعة اللَّوم.. المساءلة ما بين الاستخدام وسوء الاستخدام
ستيفَن فاينمان: حصل على ماجستير في علم النفس المهني عام 1969، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة شيفيلد عام 1974، عَمل أستاذًا جامعيًّا للدراسات التنظيمية في كلية الإدارة بجامعة باث في المملكة المتحدة، واهتم بالكتابة في مجال التنظيم السلوكي، والنظريات التنظيمية النقدية، ونشر العديد من الكتب والدراسات المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر بعالم العمل والعدالة الاجتماعية.
ومن أهم أعماله:
العمل.. مقدمة قصيرة جدًّا.
Understanding Emotion at Work.
معلومات عن المترجم:
ماهر الجنيدي: وُلد عام 1961 في حمص بسوريا، وهو كاتب وصحفي ومترجم من أصل سوري يقيم في دبي بالإمارات العربية المتحدة، شغل منصب مدير تحرير “مجلة PC Magazine- الطبعة العربية”، ورئيس تحرير مجلة “إنترنت العالم العربي”، ومدير محتويات بوابة “عجيب”، وكذلك أشرف على ترجمة “فوربس” العربية.
ومن أهم ترجماته:
فن الحرب.
في مديح البطء.