ثقافة الكومباوند والمدن المُسوَّرة
ثقافة الكومباوند والمدن المُسوَّرة
كان من عوامل التراكم الرأسمالي في مصر هو خلق رغبات استهلاكية جديدة، وبالتالي ظهرت ثقافة “الكومباوند” التي استفادت منها فئة صغيرة جدًّا من المجتمع، فقد بدأت ثقافة الكومباوند -المدينة المسوَّرة- تغزو مصر في عهد “مبارك” وبدعم من حكومته وصفوة رجاله والحزب الوطني، وكان أول كومباوند يقوم القطاع الخاص بإنشائه هو “مدينة الرحاب” التي لاقت الترحيب حتى من الرئيس مبارك الذي قام بزيارتها بنفسه! وأدق وصف لهذه المدن الجديدة المحيطة بالقاهرة القديمة هو ما وصفها به “هشام طلعت مصطفى” بقوله: “نموذج مثالي لمجتمع حضاري متكامل الخدمات قائم بذاته”، وكانت مثل تلك الخطابات وتأييد الحكومة لها هو بداية الرفض والبغض للقاهرة القديمة ونعتها بأنها مدينة سوقية لا تصلح معها أي إصلاحات، وبالتالي لا بد من هجرها والسكن في تلك المدن الجديدة!
وبدأت الحكومة تدعم تلك المدن الجديدة والحث على الاستثمار فيها، وذلك من خلال منح الأراضي الصحراوية بأسعار منخفضة، إلى جانب دعمها بالبُنى التحتية عن طريق مدِّ الطُّرق والكباري إليها، وبفعل تبني الدولة للسياسة “النيوليبرالية” فقد دفعت الأغنياء دفعًا إلى الالتحاق بتلك المدن المسوَّرة الجديدة التي تمنع الفقراء من النفوذ إليهم.
إن الهروب من القاهرة القديمة لم يكن بدعة أحدثها مبارك، بل سبق أن قام المحتل البريطاني بنفس الأمر المشابه عندما قام خلال أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بتشييد مدنٍ نخبوية كالمعادي والزمالك وجاردن سيتي ومصر الجديدة، فقد كانت تشير تلك المناطق الجديدة -في رأي تيموثي ميتشل- إلى الغرب حيث التطور والحداثة، بينما تشير القاهرة القديمة إلى الشرق حيث التخلف!
الفكرة من كتاب مُلَّاك مصر.. قصة صعود الرأسمالية المصرية
يبحث هذا الكتاب قصة صعود الرأسمالية في مصر منذ حُكم محمد علي باشا، ومراحل تطورها خلال فترة حكم الأسرة العلوية لمصر وظهور فئة الملاك الزراعيين التي شكَّلت البرجوازية المصرية في تلك الفترة، مرورًا بالإصلاحات التي قام بها نظام يوليو 52 وما تبعه من انغلاق اقتصادي وإنشاء المصانع وخلق فرص العمل، بالإضافة إلى تسليط الضوء على فترة الانفتاح الاقتصادي والسوق الحرة في عهد السادات وما بعدها في عهد مبارك وأثر هذا الانفتاح في مراكمة رأس المال وبزوغ نجم الرأسمالية وشيطنة العشوائيات والترويج لثقافة الكومباوند والمُدن المسوَّرة، إلى جانب تغيير نمط الاستهلاك وانتشار ثقافة الوجبات السريعة.
مؤلف كتاب مُلَّاك مصر.. قصة صعود الرأسمالية المصرية
بيسان كساب، كاتبة صحفية مصرية متخصصة في الاقتصاد، والكاتب الصحفي عمر غانم، والكاتب الصحفي كريم مجاهد، والكاتبة الصحفية آلاء مصطفى، والكاتب الصحفي عبد الحميد مكاوي، والكاتب الصحفي أسامة دياب، تحرير الكاتب الصحفي محمد جاد.