ثقافة الحداد

ثقافة الحداد
إن الوحدة من أصعب الأشياء التي يمر بها الفرد في هذه التجربة، فالفرد يشعر كما لو أنه محبوس في صندوق زجاجي، حوله الناس من كل جانب، يرونه ولا يرونه، يسمعونه ولا يسمعونه، يحاولون دعمه ومواساته بكلمات المواساة المعتادة، مثل: “ستتجاوز الأمر سريعًا”، أو “كن شاكرًا للأيام الجميلة التي قضيتها”، كلمات تبدو لمن يعاني تقليلًا مما يمر به، أو تبريرًا لما حدث، كما لو أنهم يحثونه على إنهاء هذا الحداد في أسرع ما يكون ليعود إلى حياته العادية، كأن شيئًا لم يكن.

وهذا ما يتوقعه الجميع بالفعل، بناءً على الثقافة السائدة التي تعد الحداد على الموتى أمرًا مؤقتًا يلي فترة الوفاة أو الحادث، حتى إن الأطباء النفسيين والمتخصصين أنفسهم يعتقدون ذلك، كما أنهم يحددون مراحل معينة لهذا الحداد غالبًا يمر بها الشخص في غضون ستة أشهر على الأكثر، وهذه المراحل هي: الإنكار والغضب والمساومة والاكتئاب والتقبل.
ينتظر الجميع منك أن تحزن بهدوء، أن تتألم سريعًا، أن تغضب بلا فوضى، وأن تتقبل الأمر فور دفن موتاك، وأن تتابع حياتك في غضون أسابيع، وألا تثير الموضوع ثانية بعد عدة أشهر، حتى يتمكن الجميع من العيش بسلام. لا أحد يحب سيرة الموت، لا أحد يحب سيرة المرض، ولا العجز، ولا الحزن، لأنهم جميعًا ينتمون إلى الألم، والألم عدو الإنسان الأول، أو هكذا يظن الإنسان، فلا يود أن يختبره، ولا يود حتى أن يسمع عنه، ولذلك تراه يحاول أن يخفف من الألم في تجربة الفقد بحيل واهية خوفًا من سطوته.
الفكرة من كتاب لا بأس إن لم تكن بخير: مواجهة الحزن والفقد في ثقافة لا تفهم
في الأيام الأولى التي تلي فقدان شخص عزيز عليك، أو الإصابة بإعاقة جسدية أو مرض مزمن، تبدو الحياة من حولك غريبة، كأنك في عالم آخر، لا تجد أي معنًى أو هدف لوجودك بعد الآن، كل ما تراه وتسمعه يذكرك بما فقدت، وبالأحلام والآمال التي انتهت معه، ولا تجد أي تعزية بأي شكل من الأشكال، لا في كلمات من حولك أو حتى كتابات المتخصصين.
لهذا تمد لنا ميجان يد العون، ترشدنا في هذه الفترة بعد أن مرت هي الأخرى بتجربة مماثلة شاهدت فيها شريكها يموت غرقًا، وقضت أعوامًا من الألم والحزن والغضب والوحدة، تكتب لنا عما رَغِبَتْ أن تجده حينها، تكتب لنا عن الحقيقة، حقيقة الفقد، وحقيقة التجاوز، وتقدم لنا التعزية، تحاول ميجان هنا أن تخفف بعضًا من معاناتنا ووحدتنا، وتساعدنا على فهم ما نمر به سيكولوجيًّا، كما تقدم تشريحًا وافيًا لنظرة المجتمع إلى الفقد وكيفية التعامل معه، وتقدم أيضًا نصائح إلى الأهل والأصدقاء الذين يريدون مساندة من يعانون الفقد.
مؤلف كتاب لا بأس إن لم تكن بخير: مواجهة الحزن والفقد في ثقافة لا تفهم
ميجان ديڤاين: معالجة نفسية وكاتبة تهتم بمساعدة الناس على التعامل مع التحديات الحياتية في تجربة الفقد والحزن، لذا أنشأت موقعًا إلكترونيًّا يسمى “Refuge in grief”، حيث توفر الملاذ والدعم اللازم للأفراد الذين يمرون بتجربة الفقد، كما تقدم بودكاست بعنوان “It’s Ok That You’re Not Ok With Megan Devine”، تشارك فيه الحديث مع ضيوفها حول تجربة الفقد والألم والحياة، وقد ألَّفت كتابًا آخر حول الموضوع نفسه، وهو:
How to Carry What Can’t Be Fixed: A Journal for Grief
ملحوظة: لا توجد ترجمة عربية لهذا الكتاب.