ثقافة الاحتشام والعُري
ثقافة الاحتشام والعُري
كلما ابتعد الناس عن ثقافة الاحتشام شاعت بينهم ثقافة العُري والسوء، والاحتشام المذكور بالقرآن احتشام فكري وجسدي ونفسي، وثقافة السوء هي سوء فكري وجسدي ونفسي، وكذلك هي نتيجة ضعف إنساني حبيس شهواته.
والثقافة ينتج عنها سلوك تفاعلي في المجتمع، فهي مولود يُنجب مُتأثرًا بالبيئة المحيطة والإنسان والزمن، وإن لم يطبقه الإنسان على تربيته بالشريعة فلن يُزكي نفسه فيه وسيكون مُعاديًا لكل فكرة محتشمة خالقًا أفكارًا شاذة هادمة للقيم الصحيحة كفصل الدين عن الدولة وتنشيط الثقافة والفن عن طريق العُري والإغراء.
ويشتد السلوك عن طريق تغذيته، فهو يتغذى على الخاطرة والأفكار الداخلة للإنسان مع الإرادة ثم التعبير والممارسة فيتحول إلى سلوك، وفي التربية الإسلامية يتم تقديم هذا الغذاء من القرآن مُتزنًا مُراعيًا كل فطرة وليس كل لون وجنس، فهي تعمل على ترقيته كما قال الله (عز وجل): ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ﴾، فهنا الحرص على الاحتشام في الزي ولباس التقوى، أي في تنمية النفس بأداء الفروض قلبًا وقالبًا وممارستها فيستقيم السلوك، والسلوك المحتشم شامل العفة والاحتشام في الفكر والعاطفة والممارسة مع الذوق الجمالي مع مراعاة الفرد والبيئة والزمن.
أما في التربية الحديثة الغربية فقد ركَّزت على الفنون والجمال والسُّكر والهيام في الفلسفات المادية والجمالية، ما غذى فكرة السوء والعُري فتحوَّلت مع الإرادة إلى لغة متقنة وشاعت حتى تطوَّرت مع الممارسة فأصبحت سلوكًا سيئًا يُسوِّق للفحش، مما أدى إلى عدم التوازن الجمالي والأخلاقي عند المجتمع. إن ثقافة العُري إحدى صفات المجتمعات الظالمة، وهي سجن يسجن الإنسان في شهواته ويحيل بينه وبين التزكية بالنفس فيتحوَّل الإنسان من حرٍّ وعبدٍ لله إلى إنسان مسجون وعبد للأشياء فيرتد إلى الصنمية وتتعدَّد آلهته.
وغالب المجتمعات المعاصرة اتصفت بالسوء لانهيار حدود الثقافات بينها واقتران التكنولوجيا بها، ثم أصبح لديها أزمات عامة، وهي: اغتراب الإنسان عن نفسه، وانحسار مفهوم الثقافة عنده في الاستهلاك والإنتاج، واتصاف سلوكياته بالشذوذ، فأصبح الإنسان بعد هيمنة العلمانية وتلك الثقافات عاريًا فكريًّا وجسديًّا ونفسيًّا، وسجينًا لشهواته ويتبع كل ما هو سفيه تسيطر عليه الموضة والجمال دون معايير شرعية أو ذوق جمالي أخلاقي.
الفكرة من كتاب رسالة مفتوحة إلى الفتاة المسلمة في عصر العولمة
منذ عقود وكل الجدالات حول المرأة تتمركز حول “ماهية نموذج المرأة المسلمة”، لكن في الأزمنة المعاصرة الحديثة تحوَّلت المرأة من نموذج إلى سلعة من أجل سوق العمل أو سلعة تروِّج لزيادة الاستهلاك عن طريق الجمال والشهرة وغيرها من أمراض العصر الحديث، فالمرأة هي المركز الذي تدور حوله الأسرة المسلمة، ومع تفكيك الأسرة المسلمة تسمَّمت أفكار الفتيات المسلمات وأصبحن بلا هوية ولا رادع، فهن بحاجة إلى إدراك تحديات هذا العصر وكيفية مواجهته.
مؤلف كتاب رسالة مفتوحة إلى الفتاة المسلمة في عصر العولمة
ماجد عرسان الكيلاني: مفكر ومؤرخ تربوي، ولد في الأردن عام 1351 هـ/ 1932م، حاصل على شهادة ماجستير في التاريخ الإسلامي من الجامعة الأمريكية في بيروت، وشهادة ماجستير في التربية من الجامعة الأردنية، وشهادة دكتوراه في التربية من جامعة بتسبرغ في بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية.
من أبرز أعماله: “هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس”، و”فلسفة التربية الإسلامية”، و”مقومات الشخصية المسلمة”، و”الأمة المسلمة”.