توقيت الاستهلاك
توقيت الاستهلاك
كان ينظر “آدم سميث” إلى السلعة على أنها أي شيء يخضع للعرض والطلب وأن لا تتضمَّن أي ظاهرة جمالية، إلا أنه في أواخر القرن التاسع عشر وجد عدد من علماء الاقتصاد أن السلعة يمكن أن تكتسب قيمة إضافية من خلال مظهرها بغض النظر عن أي قيمة استعمالية لتلك السلعة، وبالتالي أصبحت طريقة عرض السلعة في أسلوب ومظهر جمالي هو “أفيون الشعوب”، فازدهرت بذلك صناعات التغليف والتعبئة التي صارت أهم من المنتج أو السلعة ذاتها، وإلى جانب ذلك أضحى “الإعلان” عن السلعة بأسلوب ومظهر جذاب أهم من السلعة، بل أضحى هو السلعة ذاتها، فطبيعة الإعلانات المعاصرة أصبحت إدمانًا للجماهير حيث تجعلهم يلهثون ويقتفون أثر كل منتج معلن عنه، وأصبحت الشركات تقول لك: “انظر إلى مدى ذكائي في عرض وتقديم ما أقوم بإنتاجه”، وليس: “انظر إلى ما أنتج”!
ولا يتوقف الأمر عند ذلك، فما إن ينزل صنف أو منتج جديد إلى السوق حتى تجد الناس يسارعون ويتنافسون في الحصول عليه قبل غيرهم، فأصبح الاختلاف البسيط في “زمن” امتلاك المنتج دلالة على نوع من التميُّز الاجتماعي، حتى الأطفال لم يكونوا في منأى عن عملية الاستهلاك القائمة على التوقيت، حيث لم يعد للآباء قدرة على تقديم النصيحة والإرشاد للأطفال وتوجيههم، وأصبح الوضع هو “ترك الأطفال في صحبة أجهزتهم المتطوِّرة لتقوم بالتنشئة نيابةً عنهم لأن الآباء منشغلون ومنهمكون في سباق السلع الاستهلاكية”، وبالتالي أصبح الأطفال سجناء داخل زمن الاستهلاك!
كما صارت التغيرات السريعة للموضة متمثلة في “عوالم الذاكرة” التي تستبدل نفسها باستمرار وبسرعة، فما إن تنهار ذاكرة حتى تحل محلها أخرى، وأصبح تعظيم التعجيل بالابتكار المستمر في المجتمعات المعاصرة يتجه فقط نحو تحقيق الربح والاستهلاك، حيث يتم إنتاج كميات كبيرة من الأشياء التي سرعان ما تصبح خارج الموضة خلال فترة زمنية قصيرة، “وهنا يصبح النسيان مكونًا ضروريًّا في تشغيل السوق”.
الفكرة من كتاب كيف يغزو النسيان ذاكرة الحداثة؟
لقد أضحى النسيان سمة أساسية من سمات الحداثة، حيث أصبحت المجتمعات تفقد تدريجيًّا ذاكرتها وعلاقتها بالماضي كنوع من أنواع فقدان الذاكرة الجماعي، مما ينتج عن ذلك من تدمير الروابط التي تقوم بوصل الإنسان المعاصر بماضيه، وبالتالي فصله عن جذوزه الممتدة إلى الأجيال السابقة عليه، حيث أصبح الجيل الصاعد من الجنسين (الرجال والنساء) يفتقر إلى تلك العلاقة العضوية التي تربطه بالماضي، تلك العلاقة التي خلقت وأوجدت الحاضر الذي يعيشه الآن، فنجد أن الإنسان المعاصر بسبب السيل الهادر من المعلوماتية لم يعد لديه قدرة على التذكر أو الوعي التاريخي، وأصبح يمتلك ذاكرة السمك.
مؤلف كتاب كيف يغزو النسيان ذاكرة الحداثة؟
بول كونرتون ، يشعل وظيفة باحث مشارك في قسم الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة كمبردج بالمملكة المتحدة، كما أنه زميل شرف بمعهد الدراسات الألمانية والرومانسية بجامعة لندن، من كتبه: “كيف يغزو النسيان ذاكرة الحداثة؟”.
معلومات عن المترجم:
علي فرغلي، هو عضو هيئة التدريس بكلية الآداب قسم علم الاجتماع بجامعة عين شمس، كما شغل منصب النائب الأسبق لعميد كلية الآداب بجامعة تعز باليمن، له عدد من الكتب التي قام بتأليفها، مثل: “الدولة والطبقات الاجتماعية في مصر”، و”العولمة والهوية الثقافية”، ومن الكتب المترجمة: “النظرية الاجتماعية والواقع الإنساني”.