توظيف المشاعر وتحريفها
توظيف المشاعر وتحريفها
هل لا نزال نوظف المشاعر توظيفًا صحيحًا؟ إننا في حقبة تميل إلى المبالغة وحبِّ الإفراط، وتفضيل المشاعر القوية على حساب المشاعر الهادئة، فهل نحن حقًّا بصدد العودة إلى طبيعتنا ككائنات حساسة، أم نحن مجرد هستيريين خاضعين لأحاسيسنا؟ إن نهم الأحاسيس القوية يُصيب الباحث عن الأحاسيس بالعُزلة، فهو يؤدي إلى تدنّي الأحاسيس الذاتية كمل يؤدي أيضًا إلى إتلاف العلاقات بين الأشخاص، فالباحث عن الأحاسيس القوية هو أساسًا شخص نرجسي، لا يحتاج إلى الآخر لتحقيق حلمه بحياة عالية التوتر، فالمشاعر تضعف من جهة عندما تنحصر في الانفعال، ومن جهة أخرى عندما تعوق التواصل مع الآخر، لكن ما أسباب ذلك؟
يرجع السبب في ذلك إلى التهييج الزائد، وهو التهييج الحواسي، سمعيًّا أو بصريًّا، فعلى سبيل المثال: هؤلاء الشباب المحبوسون داخل فقاعة صوتية يستمعون بالسماعات إلى أصوات الأغاني وغيرها هم شباب غائبون عن العالم تمامًا، ولا يقتصر هذا على حاسة السمع فحسب، فحاسة البصر أيضًا معرضة كذلك للتهييج الزائد بصور عدِّة، وهناك حالة أخرى من التهييج الحسي تتم باستغلال الجغرافيا، والمقصود بها حالة طواف العالم بهدف استخراج أقصى ما يمكن من الأحاسيس، كهؤلاء الذين يرغبون في التعرُّض للمغامرات الكبرى، إذ الإحساس بالموت لديهم أيقظ إحساسهم بالحياة، والأخطار التي تعرَّضوا لها أعادت إليهم الرغبة في الحياة، وكذلك هناك الإثارة المُنحرفة، إذ إنها هي المادة المخدرة الأكثر ضررًا بإحساسنا، فالمنحرف يجني متعة لا متناهية من الغنيمة التي ينزعها من إحساس الغير بالخوف والفزع منه، وهذا قد يحدث في السينما كما يفعله المجرمون في الحقيقة.
الفكرة من كتاب عبادة المشاعر
إلى أي مدى تتحكَّم المشاعر في حياة الإنسان المعاصر؟ وإلى أي حدٍّ صارت المشاعر مقدَّسة وتتَّخذ شكلًا من أشكال العبادة؟!
سنتحدَّث في كتابنا هذا عن عصر المشاعر، تحديدًا عن ظاهرة “عبادة المشاعر”، ونحللها تحليلًا نفسيًّا فلسفيًّا، ونعرض قضية تفضيل الإنسان المعاصر مشاعرَ الصدمة، أو المشاعر المتهيِّجة، في مقابل مشاعر التأمل والخشوع، وتفضيل الإنسان المعاصر لحالة الصخب على حالة الهدوء التي فضَّلها الإنسان فيما سبق!
مؤلف كتاب عبادة المشاعر
ميشيل لكروا : فيلسوف وكاتب فرنسي مُعاصر، وُلِدَ في 14 ديسمبر عام 1946م، حاصل على دكتوراه دولة، وهو محاضر فخري في جامعة سيرجي بونتواز، ونال جائزة الفلسفة من الأكاديمية النفسية، وجائزة علم النفس عام 2009م عن بحثه “من أجل حياة أفضل”.
له العديد من المؤلَّفات، منها: “في آداب السلوك” الصادر في عام 1990م، والذي نال عنه جائزة الفلسفة من الأكاديمية الفرنسية، و”من أجل أخلاق كونيَّة” عام 1994م و”إيديولوجيا العصر الحديث”، و”أخلاق الأمان”.