توابع التنظيم
توابع التنظيم
ونتيجة لما سبق من الشعور برفع الحرج الفردي بدأت تتفشَّى موجة من الانغلاق والجمود على مستوى الفرد والجماعة في هذه الأحزاب، وكان الجمود يقود إلى أن يتحوَّل عضو التنظيم إلى مردِّد ليس أكثر، يعدُّ ما جاء في الماضي هو المستقبل، ويعتقد أن ما جاء في الماضي يجب أن يحكم كل التطور اللاحق، وأنه الجامع المانع الذي لا شك في صحته، أو في ديمومة جماعته.
ومع إلغاء الآلية الشورية الحقيقية، بإلغاء الحياة الداخلية، أصبحت المركزية تعني السلطة؛ سلطة القيادة وسلطة القرار، ليصبح الشكل جوهرًا، ويسقط الجوهر، فطغت فكرة السلطوية التي تحمل صفات المقدرة والجبروت والدراية، والتوفيق المفضي للعصمة، مما يجعل الآخرين أقرب إلى القطيع، والسلطة وحدها من تستطيع تقرير مسار القطيع، وتحديد أهدافه، ومهمات كل فرد فيه، ومحاسبة المخالف والمخطئ، دون أن يكون من حق أحد محاسبته أو تخطئته أو انتقاده أو مخالفته، إذ يتم وسم أي انتقاد للتنظيم بالخيانة أو بالعمالة، فقد كان مترسخًا في العقل الجماعي أن الفكرة تساوي الجماعة والجماعة تساوي التنظيم، والتنظيم يساوي الإسلام والأمة!
وبالطبع بدأت تظهر أصوات نقد داخل التنظيم دون رغبة في الانشقاق عنه، إذ إن أبناء التنظيمات الإسلامية يعترفون بالمشكلات التي يواجهونها، ولكنهم في الوقت نفسه يؤكِّدون أن بقاء التنظيم هدف يحتمل من أجله كل هذا وزيادة.
الفكرة من كتاب إسلام السوق
في القرون الماضية كان الإسلام العامل المحدِّد لكل المجالات على الأراضي الإسلامية، وهو المؤثر فيها باعتبارها خاضعة له لا العكس، وعلى الرغم من الاتفاق على أن الإسلام واحد لا يتبدَّل ولا يتغيَّر باعتباره شريعة إلهية، فقد بدأت تظهر بعض الاختلافات في فَهمه وفهم تأويلاته وتنزيلها على أرض الواقع فيما يُعرف بالتدين، نتيجة لاختلاف الثقافات ومدى قربها وبعدها عن أرض المنبع، لكن ظل الإسلام العامل الحاسم في تنظيم المجتمع وإدارته وسن قوانينه واتباع أحكامه، وهو العامل الحاسم في إضفاء الشرعية على الحكم السياسي للبلاد واعتبارها “دولة إسلامية” إن صح التعبير عن ذلك بمفهوم “دولة”، وهو ما يسلِّط هذا الكتاب الضوء عليه.
مؤلف كتاب إسلام السوق
باتريك هايني Patrick Haenni: باحث سويسري في العلوم الاجتماعية، وباحث سابق في مركز الدراسات والتوثيق القانوني(CEDJ) بالقاهرة، وباحث سابق في مرصد الأديان بسويسرا، وعمل بمنصب مستشار شؤون الشرق الأوسط في مركز (الحوار الإنساني)، وصدر له كتاب “ما بعد الإسلام السياسي” بالاشتراك مع أوليفييه روا، وكتابا “نظام الأعيان”، و”معارك حول الإسلام في الغرب”.
يمثل باتريك هايني جيلًا جديدًا من أجيال الإسلامولوجيين (المهتمين بالظاهرة الإسلامية)، وهو جيل يحرص أشد الحرص على الموضوعية العلمية والدراسة الوصفية والتحليلية البعيدة عن أي توظيف سياسي، وقد قضى وقتًا طويلًا في مصر وأقطار أخرى من العالم الإسلامي، وله صلات علمية وطيدة مع بعض التيارات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، فعاش حينًا من الدهر في القاهرة دارسًا، وتعلم اللغة العربية وتعرَّف من كثب على الإسلاميين، وتعرَّف أيضًا على الإسلاميين الإندونيسيين والأتراك.