تمكُّن الاستبداد وآلياته
تمكُّن الاستبداد وآلياته
الاستبداد في اللغة تحت مصدر “بدَّد”، وهي تعني: انفرد به، لكن في اصطلاح السياسيين: هو تصرُّف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف، فهو التسلُّط أو التحكّم، ويستعملون في مقام صفة “مستبد” كلمات، وهي: جبَّار، طاغية، وأما تعريفه بالوصف فهو صفة للحكومة المطلقة العنان فعلًا وحُكمًا، التي تتصرَّف في شؤون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب، ولا عقاب.
والوسائل المُستخدمة لتمكين ذلك الاستبداد كثيرة، منها: الجهاز الإعلامي لإلباس الباطل لبوس الحق، والجهاز الأمني والاستخباري للقمع والاضطهاد، والجهاز القضائي للتغطية على جرائمه وقمعه باسم الشرع، والتركيز على الدرع الديني في تشريع ذلك الاستبداد، فقنَّنوا عدم جواز مقاومة الحاكم المستبد بالنقد العلني أو بالوسائل السلمية المختلفة، وجعلوها من الخروج على الحاكم فيجوز قتل المتظاهرين أو الداعين للتظاهر، واعتبر بعضهم أن من خالف أو عارض فهو مبتدع ضال، فاعتبروا أن المطالبة بالحقوق بوسائل صامتة تعد فتنة ومنازعة الحكم لأهله، فانقلبت الآية، وصار مصدر الحق إلى الأقوى والأقدر ولا اعتبار ولا ولاء للمبادئ، ولا مبالاة بقيم الإسلام السياسية في الحكم، فاستعانوا بتطويع نصوص طاعة “ولي الأمر” والصبر والنصيحة السريَّة له، كما تم استثمار القواعد الفقهية لهذا الغرض، وأصَّلوا له عقائديًّا.
فكل من قرأ كلامهم ظنَّ أن الصحابة أجازوا طاعة المُلك العضوض (الجائر) والمُلك الجبري، وهم الذين حاربوا جبروت السادة في قريش، فالصحابة لم يعرفوا إلا سنن الخلافة الراشدة، وسنن الشورى والعدل، والتصدِّي للحاكم الجائر على سلطة يكون الحكم فيها للأمة، فلم يظهر في عهدهم معالم الاستبداد، ولم تكن طبيعة الحكم التفرُّد والشمول، ومن ثم كان المكوِّن الديني هو الأشد والأكثر توظيفًا لبنيان الاستبداد، لذا فهو الأشد فتكًا وتشويهًا للإسلام.
الفكرة من كتاب تفكيك الاستبداد
كيف قامت الخلافة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم)؟ وما منزلة مبدأ الشورى في الإسلام، وما صلاحيات الحاكم على المُسلمين، وكيف تنصح الأُمَّة حُكَّامها؟ من خلال هذا الكتاب يسعى الكاتب إلى تصدي المُلك الجبري، وتفكيك تأصيلاته المنسوبة للشرع، وذلك عن طريق تفكيك مشروعية الاستبداد والفقه المُسيَّس، وتوضيح آثار ذلك على الشرعية والأمة.
مؤلف كتاب تفكيك الاستبداد
محمد العبد الكريم: أستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، شارك في تدريس مقاصد الشريعة والقواعد الفقهية لطلاب الدراسات العليا بالمعهد العالي للقضاء، كما شغل منصب مستشار بهيئة حقوق الإنسان سابقًا، شارك بعدَّة مقالات في جريدة “المحايد” و”الإسلام اليوم” ومجلة “العصر”، ومن مؤلفاته: “صحوة التوحيد: دراسة في أزمة الخطاب السياسي الإسلامي” و”الاحتساب المدني: دراسة في البناء المقاصدي للاحتساب”.