تفكير المرء لنفسه
تفكير المرء لنفسه
هناك فرق بين مزاولة القراءة، ومزاولة الفكر، فالقراءة هي إقحام لأفكار دخيلة على الذهن، أما الفكر فيحتاج إلى تهيئة مُستمرة من خلال الاهتمام بالموضوع قيد التناول، وبالتالي يُصدِر الفرد أفكاره الأصلية التي تحدِّدها ذكرياته أو البيئة المحيطة، ويمكننا وصف أفكار الإنسان بالحقيقية في حالة واحدة، وهي أن تكون أفكاره هو وحده، وبإمكانه اللجوء إلى القراءة فقط حين تركد أفكاره، فإن المعرفة لا تُصبح جزءًا متكاملًا من فكرنا إلا إذا اكتسبناها بأنفسنا وصبغناها بصبغتنا.
فالفارق بين القارئ العادي الذي يزدحم عقله بأفكار وتوجُّهات مختلفة، والقارئ المُفكِّر هو قدرة المُفكر على دمج كل ما يقرأ في نسق فكره الخاص، والملاءمة بينه وبين بصيرته وعدم السماح بأي خلط، فمن قضوا حياتهم يقرؤون لا يملكون معرفة حقيقية عما يتحدثون، أما من قضوا حياتهم يفكرون فيعرفون حقيقة ما يتحدثون عنه، وهذا هو السبب في أن كل المُفكرين يخرجون بنفس النتائج مع اختلافات طفيفة، فالفكر ليس عملية سهلة كالقراءة، فهو يظهر من تلقاء نفسه عن طريق التوافق بين العوامل الخارجية والمزاج الداخلي واليقظة الفكرية.
تتسم الأعمال الأدبية العظيمة بالوضوح والحسم لأن العقل العارف يستطيع التعبير عما يعرفه بشكل مُحدَّد وصريح، ومن العلامات المميِّزة للعقل السامي قدرته على الحكم المباشر على الأمور، وقد يرى الشخص قيمة كبيرة في الفكرة التي ابتدعها ولكنها حين تُنشر للناس لا تثير أي استجابات، إلا إن القيمة الحقيقية لا توجد إلا لما يفكر فيه الإنسان تبعًا لحالته الخاصة، فهؤلاء هم المفكرون الأحرار والفلاسفة بحق، أما المفكرون وفقًا لحالات الآخرين فهؤلاء هم السوفسطائيون الذين يدَّعون حقيقة أخرى غير حقيقتهم.
الفكرة من كتاب فن الأدب: مختارات من شوبنهاور
يكشف هذا الكتاب عن جانب مُختلف من الفيلسوف المتشائم شوبنهاور، وهو جانب الناقد الأدبي، وإن لم يخفت تشاؤمه وحِدَّته، ويحلِّل شوبنهاور في هذا الكتاب المشهد الأدبي من خلال ثمانية محاور تُمثِّل دليلًا لأي كاتب أو ناقد يرغب في التفوُّق لأن هذه المحاور ما زالت تبلغ نفس الدرجة من الأهمية الآن كما كانت وقت كتابتها.
مؤلف كتاب فن الأدب: مختارات من شوبنهاور
آرثر شوبنهاور: فيلسوف ألماني وناقد أدبي، اشتهر بآرائه وفلسفته التشاؤمية، ودرس الفلسفة بجامعة جوتنجن، ثم انتقل إلى جامعة برلين حيث حصل على درجة الدكتوراه عن رسالته المُعنونة: “الأصول الأربعة لمبدأ السبب الكافي”.
من مؤلفاته: “فن أن تكون دائمًا على صواب”، و”العالم إرادةً وتمثلًا” و”فن العيش الحكيم”.
معلومات عن المترجم:
شفيق مقار: كاتب وباحث وصحافي وإذاعي مصري نشرت كتاباته في مختلف العواصم العربية، وبُثَّت برامجه الإذاعية من القاهرة ولندن.
من ترجماته: “أبناء وعشاق”، و”الأم شجاعة وأبناؤها”.