تعلُّم الشر
بعدما شهد حذيفة ما شهد من أحوال القلوب وتغيراتها، وما رآه من الفتن ومواقف المنافقين؛ أخذ يتعلم الشر ليتوقَّاه، ويجمع علم الفتن التي تكون في الأمة بعد وفاة النبي (ﷺ) إلى قيام الساعة، وقال (رضي الله عنه): “تَعَلَّمَ أَصْحَابِي الخَيْرَ وتَعَلَّمْتُ الشَّرَّ”، وشتان بين طريقة تعلمه وطريقة بعض المعاصرين الذين ينغمسون في الشر بحجة تعلمه، ويبدو أن حذيفة كان مثابرًا في السؤال، يسأل سؤالًا تلو الآخر، ويكرِّرها على رسول الله (ﷺ)، فلا يملُّ منه، ويتبعه في أماكن مختلفة، تارةً يجيبه بإجاباتٍ مفصلة وتارةً بإجابات مُجملة، ويروي إحدى المرات قائلًا: “كانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم) عَنِ الخَيْرِ، وكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّا كُنَّا في جَاهِلِيَّةٍ وشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بهذا الخَيْرِ، فَهلْ بَعْدَ هذا الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلتُ: وهلْ بَعْدَ ذلكَ الشَّرِّ مِن خَيْرٍ؟ قالَ: نَعَمْ، وفيهِ دَخَنٌ، قُلتُ: وما دَخَنُهُ؟ قالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بغيرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ منهمْ وتُنْكِرُ، قُلتُ: فَهلْ بَعْدَ ذلكَ الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ إلى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَن أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا؟ فَقالَ: هُمْ مِن جِلْدَتِنَا، ويَتَكَلَّمُونَ بأَلْسِنَتِنَا، قُلتُ: فَما تَأْمُرُنِي إنْ أَدْرَكَنِي ذلكَ؟ قالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وإمَامَهُمْ، قُلتُ: فإنْ لَمْ يَكُنْ لهمْ جَمَاعَةٌ ولَا إمَامٌ؟ قالَ: فَاعْتَزِلْ تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، ولو أَنْ تَعَضَّ بأَصْلِ شَجَرَةٍ، حتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وأَنْتَ علَى ذلكَ”، ومرةً ردَّ رسول الله (ﷺ) عليه بجواب جامع -فيه توجيه لكل من يحمل هم الأمة ويبتغي اتقاء الشر- قائلًا: “يا حُذَيفةُ ، تعلَّمْ كتابَ اللهِ واتَّبِعْ ما فيه”، وكرَّرها ثلاثًا…
الفكرة من كتاب حذيفة بن اليمان في ظلال التربية النبوية
نعيش مع الكتاب سيرة الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه)، ونراه مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم): كيف يعلمه ويربيه، ثم نرى كيف عمِل بعلمه وكيف واجه الفتن.
مؤلف كتاب حذيفة بن اليمان في ظلال التربية النبوية
محمد حشمت: باحث دكتوراه وكاتبٌ ومحاضر، حصل على ليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، ثم حصل على ماجستير العقيدة الإسلامية من كلية العلوم الإسلامية بجامعة ميديو في ماليزيا.
من مؤلفاته: “نظرية الدين والتديُّن: الفهم والوهم”، و”الخلاصة في علم مصطلح الحديث”، وسلسلة “في ظلال التربية النبوية” التي تضم الكتاب الذي بين أيدينا وكتبًا عن صحابة آخرين منهم “خوَّات” و”كعب بن مالك” و”الرميصاء” (رضي الله عنهم جميعًا).