تعليم العربية
تعليم العربية
إن مشكلة اللغة العربية ليست في جمودها هي، لأن فيها من الخصائص ما يُمكِّنها من أن تكون لغة الحاضر والمستقبل أيضًا، وإنما تكمن المشكلة في الجمود في تعليم العربية والجمود في وضع قواعدها، إذ توقف جُلُّ أهل النحو والصرف والبلاغة والمعاجم المسؤولين عن قواعد اللغة عند ما وصل إليه أجدادهم قبل ألف عام، وهذا الإرث فيه بلا شك ما هو أساسي وثابت وفيه ما هو فرعي ومتغيِّر، لذا وجب على أهل اللغة أن يُغفلوا القواعد الفرعية التي لم يعد لها استعمال في العربية المعاصرة وألا يُثقلوا بها كاهل المتعلمين، وأن يستكشفوا المستجدَّات ويرصدوا تطور اللغة بمرونة دون أن يُمس تراثها أو يُفرَض عليها شيء ودون أن يصفوا كل تطور بأنه خطأ، ثم يدرجوا ما يُتفق عليه في مناهج تعليم العربية التي تُقدِّم اللغة إلى عقول المتعلمين وقلوبهم.
وأما في قضية العاميات واللهجات العربية، فيرى المؤلف أنه لا ينبغي أن نوسِّع الهوة بينها وبين الفصحى؛ إنها ليست خطرًا جسيمًا كما في النظرة الجامدة المتشددة، وليست تطورًا سيشكِّل لغاتٍ أخرى مثلما حدث بين اللاتينية وعاميَّاتها التي شكلت اللغات الأوروبية كما في النظرة المتحررة المجددة، إنما هي مستوى من مستويات اللغة والتفاوت بينهما كالتفاوت بين اللغة المكتوبة ولغة الكلام في الحياة اليومية في معظم اللغات الحية؛ تتشابهان في التراكيب والبنى الأساسية مثل الضمائر والتثنية والجمع والنفي والنهي، بل وكثير من المفردات المستخدمة في حياتنا اليومية فصيحة أساسًا، وبناءً على ذلك ينبغي أن تُقدم اللغة العربية للأطفال على أنها مستوى أعلى من لغة الحياة اليومية التي عرفوها، لا على أنها لغة أجنبية جديدة باختيار النصوص الصعبة والألفاظ الغريبة للبدء، فيتدرَّجون من المستوى الذي يعرفونه إلى المستوى الذي ينبغي لهم معرفته.
الفكرة من كتاب إنقاذ اللغة إنقاذ الهوية
اللغة العربية لغة عريقة، وهي من أطول اللغات عمرًا وأكثرها انتشارًا، وقد نالَت شرفًا كبيرًا حين نزل بها القرآن الكريم؛ ولم يعد الحفاظ عليها مرتبطًا بإرث لغوي فقط، وإنما بحفظ الوعاء الذي يحمل رسالة الإسلام. وقد مرت العربية عبر التاريخ بمراحل انتشار وازدهار استوعبت فيها عطاء اللغات والحضارات الأخرى، وبمراحل انحسار وذبول، والحرب التي نشهدها اليوم على لغتنا هي فصل من حكاية طويلة شهِد القرنان الماضيان على كثيرٍ من فصولها التي كتبها الاستعمار ليوهمنا أن التقدم لا يكون إلا بالقطيعة مع التراث، ذلك لأن الشعوب تُستعبد حين يُسلَب منها لسانها؛ وانطلاقًا من ذلك يتناول الكتاب مشكلة اللغة العربية التي هي مشكلة الهوية العربية من جوانب متعددة محاولًا رسم أُطُرٍ للحل.
مؤلف
كتاب إنقاذ اللغة إنقاذ الهوية
الدكتور أحمد درويش: شاعر وناقد مصري، حصل على ليسانس في اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى وترتيبه الأول على الخريجين بكلية دار العلوم جامعة القاهرة عام 1967، ثم نال درجة الماجستير في الدراسات البلاغية والنقدية بتقدير ممتاز من نفس الجامعة عام 1972، ثم حصل على دكتوراه الدولة في الآداب والعلوم الإنسانية: تخصُّص نقد أدبي وأدب مقارن من جامعة السوربون في باريس عام 1982.
وهو عضو خبير في “مجمع اللغة العربية” بالقاهرة، وقد درَّس وحاضر في عدد من الجامعات والمعاهد، وفاز بجوائز عديدة من أهمها جائزة الدولة التقديرية للآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2008.
له مؤلفات كثيرة، منها: “ثقافتنا في عصر العولمة”، و”خليل مطران شاعر الذات والوجدان”، و”في صحبة الأميرين أبي فراس الحمداني وعبد القادر الجزائري”، و”الاستشراق الفرنسي والأدب العربي”، و”نظرية الأدب المقارن وتجلياتها في الأدب العربي”، وديوان “أفئدة الطير”.