تعلم مدى الحياة
تعلم مدى الحياة
بعد تعرفنا على طبيعة السوق المتغيرة المتقلبة، اتضحت الحاجة الملحَّة إلى عقول جاهزة مدرَّبة لتحقيق أهدافه التي تستلزم بتغيرها السريع تربية مستمرة للعقول، وهذا هو أحد تعريفات التعليم؛ تربية عقل ناضج واعٍ لتحقيق أهداف معينة، كان محدودًا في الماضي حتى زمن أو مرحلة عمرية معينة، أما الآن فرفع شعار تعليم مدى الحياة، بسبب التغير المستمر في الوظائف والمهن، المتطلبة لمهارات متنوعة شديدة الاختلاف، أي أن عمليتي التجهيل والتعليم تتكرَّران.
وكالعادة أتى دور الربح من الجهل، عبر دورات تعليمية مستمرة حتى لو كانت وهمية، يقدر على التكيف مع ذلك الوضع القادرون ماديًّا فقط، بينما تقل فرص العاجزين بشكل كبير على تطوير أنفسهم ومهاراتهم، حتى يتم تهميشهم في الوظائف الجديدة، لأنهم أقل من المستوى المطلوب، ولم يتكيَّفوا جيدًا مع المتغيرات المتعددة في الأسواق.
كانت تقع مسؤولية تعليم ومواكبة الأفراد لتغيرات السوق على عاتق مسؤولي الموارد البشرية، ولكن مع صعوبة التنبؤ بالتغيرات المستقبلية وسيولة الظروف المحيطة، تخلَّصت الشركات من هذا العبء، عبر إلقاء مسؤولية التعلم وتنمية المهارات للتكيف مع التغيرات على الأفراد، فلن يحرموا من الفرص بسبب عجز الشركات على توقع التغيير والتحكم بردود أفعالها، بل لأن الأفراد فشلوا.
هذا الهوس بالمصطلح المصدر، بترغيب الأفراد بالتعلم مدى الحياة، يصاحبه لا مبالاة غريبة نحو التطور السياسي، فالغرق في التفاصيل الذاتية المؤهلة للحصول على فرصة في عالم شديد التقلب، يمنع تكوين وعي جاد قادر على مساءلة السياسة عن أسباب ذلك الوضع وكيفية التعامل معه وتسهيله.
الفكرة من كتاب الحياة السائلة
عند الحديث عن مصطلحات كبيرة وغامضة مثل الحداثة وما بعدها والأنماط الاستهلاكية والقوى العولمية، يخيَّل إلى الأذهان أنها قضايا ليست مهمة بالنسبة لنا، ولا صاحبة تأثير في حياتنا اليومية كأفراد، وهذا خطأ شائع كفيل بتدميره قراءة أي كتاب لزيجمونت باومان، لنتيقَّن أن تلك المصطلحات والقضايا التي نهرب منها هي ما يشكِّل تفاصيل يومنا وأغلب أفعالنا إن لم تكن جميعها.
في كتاب “الحياة السائلة” يُناقش باومان عدَّة قضايا: مثل الحرية الفردية وصراعها مع الأمان ورغباتنا كأفراد، والظروف التي ينشِّئ فيها المجتمع أفراده، وكيف تتغيَّر باستمرار تبعًا للسوق، وما الذي ينالنا من آثار سلبية جرَّاء العولمة، وكيف يتحكَّم الخوف في أدق تفاصيل سلوكياتنا كاختيار المسكن والمنتجات التي نستهلكها.
مؤلف كتاب الحياة السائلة
زيجمونت باومان: بروفيسور في علم الاجتماع من جامعة ليدز، ولد عام 1925م ببولندا سكن إنجلترا منذ عام 1971م بعد طرده من بلاده بسبب آرائه العدائية عن الصهيونية، اهتمَّ في كتاباته بتحليل ونقد الاستهلاكية وقضايا الحداثة وما بعدها وتأثيرات حركة العولمة، ذاع صيته في التسعينيات، وتوفي عام 2017م.
من أهم أعماله “الثقافة السائلة”، و”الحب السائل: عن هشاشة العلاقات الإنسانية”، و“الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللايقين”، و”الشر السائل: العيش مع اللابديل”.
معلومات عن المترجم:
حجاج أبو جبر: أستاذ النقد المصري، ولد في عام 1977م بالجيزة، درس الأدب الإنجليزي وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة، له العديد من الإسهامات المقالية النقدية مثل “الحداثة في خطاب عبدالوهاب المسيري”، و”سيميولوجيا العدد”، وترجم كتبًا مثل “الشر السائل: العيش مع اللابديل”، و”الحب السائل”.