تعصُّب المستشرقين
تعصُّب المستشرقين
تعرَّض التاريخ الإسلامي السياسي والثقافي إلى تفسيرات واجتهادات مختلفة وبخاصة من الغرب، فمنهم من وصفه بالجمود، ومنهم من حاول أن يوفِّق بين الزعم بوجود الجمود الحضاري وبين ما اكتشف من معارف جديدة تدلُّ بوضوح على وجود حركات عظيمة مستمرَّة وتغييرات دائمة، وقليلٌ منهم من حاول الإنصاف ومراعاة الفروق الحضارية، وقد أولى الغرب اهتمامًا بالفلسفة الكلامية المحدودة النطاق، أما الشرق فلم يستسلم الاستسلام الكامل لخطر إحلال الفلسفة الكلامية المحدودة محلَّ التراث الفكري الخصب، وقد أدَّى الفقر الفكري للغرب إلى وضع نظام صارم للبحث العلمي، وبما أنهم لم يكن لديهم ثراء في الأفكار، فلم يبقَ لهم سوى تشريح هذه الأفكار ثم إعادة تركيبها، وهذه الطريقة أنتجت ألوانًا رفيعة من طرائق العرض الأدبي.
وقد حاول المستشرقون تعليل وجهة نظرهم في تأخُّر البحث العلمي عند المسلمين بأنه بسبب موقفهم السلبي من الحياة، وأن عقيدتهم الراسخة المطلقة وإيمانهم غير المشروط بالقضاء والقدر يقيِّد الحياة الفكرية لديهم بقيود ثقيلة لم يعد من الممكن التحرُّر منها، وأن الغاية يجب أن تكون واضحة عند أي مسلم قبل الشروع في أي بحث، وهذا فيه فسادٌ لحريةِ الفكرِ.
ويرد عليهم روزنتال بأن أحكام الغرب متأثرة بشعورهم بالتفوُّق غير مستندة إلى منطق، إذ إنهم لو أمعنوا التدقيق بحيادية في مؤلفات الباحث المسلم لوجدوا أنه لم يكنْ نفعيًّا ماديًّا، بل كان كثيرًا ما يمعن في المغامرات الفكرية دون غاية معيَّنة، لذلك فإن انتقادات الغرب ترجِّح كفة العلماء المسلمين وإخلاصهم للعلم وعدم رغبتهم في أي كسب أو نفع دنيوي، بل بحثهم عن العلم المجرد، وأنه من الغريب أن الإيمان بالقضاء والقدر لم يؤثر تأثيرًا سلبيًّا في النشاط الفكري الإسلامي لقرون عشرة، لذلك كان الأحرى تبرئة العقيدة من الركود الفكري الذي صادف أن وجد فيها ملاذًا لتعليق أسبابه فيها.
الفكرة من كتاب مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي
كيف نظر العالِم المسلم إلى المشكلات المهمة المتصلة بالبحث العلمي؟ وهل كان لدى العلماء العرب منهج علمي واضح الأصول؟
إن قضية أصالة المنهج العلمي للمسلمين تعدُّ من القضايا التي ثار حولها جدل كبير بين ادعاءات بالافتقار أو النقل، ومن هُنا كان روزنتال يلوم على المستشرقين مقاييسهم الصارمة التي يضعونها عند تقديرهم للبحث العلمي عند المسلمين، متغافلين عن اختلاف المعايير الحضارية والتقنية التي ساعدت الغرب، ولم تكنْ قد وصلت بعد إلى الشرق، فكيف نزن بمكيالين مختلفين إذًا؟!
مؤلف كتاب مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي
فرانتز روزنتال Franz Rosenthal: مستشرق ألماني أنصف الفكر الإسلامي وقدَّره حق قدره، وعالم في الدراسات الإسلامية، ولد في برلين أغسطس عام 1914 وتوفِّي في أبريل 2003، درس الحضارات واللغات الشرقية وحصل بها على درجة الدكتوراه، ودرس اللغة العربية في جامعة بنسلفانيا، وشغل بها منصب أستاذ اللغات السامية في جامعة بيل.
ترجم وحقق مقدمة ابن خلدون، ويهتم بالحضارة الإسلامية، ومن مؤلفاته:
تاريخ الطبري.
علم التاريخ عند المسلمين.
مفهوم الحرية في الإسلام.
مفهوم المعرفة في الإسلام.