تعزيز الانفتاح وانعدام الخصوصية
تعزيز الانفتاح وانعدام الخصوصية
رغم ما يُلاقيه رُوَّاد مواقع التواصل الاجتماعي من مخاطر وإيذاء جرَّاء ما ينشرونه عن يومياتهم وحياتهم الخاصة، فإنهم ما يزالون يتوسَّعون في استخدام تلك المواقع على المستويين الكمّي والكيفي، وهذا راجع إلى ضغط من ثلاث قوًى تؤدي إلى زيادة في حجم مشاركة البيانات والمعلومات، القوة الأولى “القوة الثقافية”؛ في بادئ الأمر كان يُنظر إلى الإنترنت على أنه أداة معلوماتية، ثم تطور الأمر إلى أن صار وسطًا اجتماعيًّا، إذ حوَّل المستخدمون الحواسيب إلى أداة تواصل شخصية ومهنية عبر البريد الإلكتروني، ثم ظهرت الصفحات الشخصية والمدونات التي تهدف إلى وضع ذات الفرد وهويته في مركز الممارسات الخاصة بالإنترنت، فكان ذلك نقطة تحوّل أدَّت إلى ظهور المخاطر الناتجة عن الكشف عن الذات، وكان هذا التحوُّل نتيجة عدَّة أمور، أولها: الزيادة المستمرة في استخدام الإنترنت، وثانيها: إصرار مواقع التواصل الاجتماعي على ذِكر المستخدمين لأسمائهم وهوياتهم الحقيقية، في ما كانت الأسماء المستعارة أو غير المحددة للهوية تقلل المخاطر والإيذاء.
هذا إلى جانب الضغوط الاجتماعية التي تدفع الفرد دفعًا إلى مشاركة التفاصيل الدقيقة عن حياته وعلاقته بالمقربين منه، كنشر مواقف بين الزوج وزوجته، أو أحداث بين الأبناء وبين والديهم، وذلك من أجل إقامة علاقات مع أفراد آخرين على مواقع التواصل الاجتماعي، وكلما وجد الأشخاص أصدقاءهم يشاركون مزيدًا من المحتوى عن حياتهم، وجدوا أنفسهم يقعون تحت ضغط أن يكونوا أكثر انفتاحًا، ومن ثمَّ يفصحون أكثر عن حياتهم، وهذا ما أدَّى إلى شيوع ظاهرة توثيق الحياة اليومية أوّلًا بأول.
القوة الثانية “القوة التِّقانية”، إذ تعمل الشركات على تشجيع الإفصاح والكشف عن الذات والهوية من خلال الإعلانات التي تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب استخدامها للإعدادات الأصلية للبرمجيات، والخيارات المتاحة التي تظهر أمام المستخدم وهو ما يُعرف (بالتحيُّز التأسيسي)، فمواقع التواصل الاجتماعي تعمل دائمًا على تغيير قواعد الاستخدام باستمرار، فبمجرَّد أن يعتاد المستخدمون مستوًى معينًا من الكشف عن الذات، إذا بقواعد الاستخدام والإعدادات تتغيّر من جديد، لاختبار تسامح المستخدمين مع مستوى أعلى من الإفصاح عن الذات وهكذا دواليك.
القوة الثالثة “القوة التجارية”، إذ تتربح إدارات مواقع التواصل الاجتماعي من المعلومات والبيانات التي تجمعها من مستخدميها، وذلك بتحليل أنماط سلوك المستخدمين والتحكم فيها، فمثلًا إذا نشر أحد المستخدمين صورًا عن حفل في أحد الأماكن، فعلى الفور تظهر له إعلانات تعرض عليه تغيير قراره إلى مكان آخر في المرة القادمة.
الفكرة من كتاب حين شاركنا حياتنا عبر الإنترنت: مخاطر كشف غطاء الخصوصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي
يُبين الكاتب في هذا الكتاب مجموعة من الموضوعات المتعلقة بالخصوصية، ويُركز على الآثار السلبية والمخاطر المترتبة على ما يفعله عديد من الناس على وسائل التواصل الاجتماعي من مشاركة حياتهم الخاصة والكشف عن الذات والهوية، وفي هذا الجانب يستعرض الكاتب مجموعة من المواقف التي تعرَّض لها عديد من الناس نتيجة ما ينشرونه عن ذواتهم على الإنترنت، وخصوصًا مواقع التواصل الاجتماعي، وأثر ذلك في مجال عملهم ودراستهم وحياتهم بشكل عام.
مؤلف كتاب حين شاركنا حياتنا عبر الإنترنت: مخاطر كشف غطاء الخصوصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي
ديفيد أر. بريك : هو باحث وأكاديمي حاصل على درجة الدكتوراه في وسائل التواصل الاجتماعي من كلية لندن للاقتصاد، كما أنه يعمل محررًا وصحفيًّا ومراسلًا لعديد من المؤسسات العريقة حول العالم مثل بي. بي. سي، ومجلة نيو ساينتيست، كما أنه يعمل محاضرًا في عدد من الجامعات، تتناول أبحاث بريك أثر وسائل التواصل الاجتماعي في حياة الفرد والمجتمع.
معلومات عن المترجم:
د. أحمد محمد مصطفى: مترجم، من أعماله المُترجمة الأخرى:
سباق السرعة: حل المشكلات الكبرى واختبار الأفكار الجديدة في خمسة أيام فقط.