تعدَّدت الوساطة والضلال واحد!
تعدَّدت الوساطة والضلال واحد!
بعد مرور القرون الثلاثة المفضلة كانت الثقافات الأجنبية قد بدأت تدخل الرقعة الإسلامية من باب الترجمة، ما نتج عنه ظهور الوساطة الفكرية والعقدية في فهم الإسلام على مدار خمسة قرون فأكثر، فلم تعد التربية متمركزة حول تلقي النص الشرعي كما هو بشكل مبسَّط، وإنما أصبحت الوساطة والتكلُّف في التصور العقائدي محور وأساس تدين العامة، فضلًا عن فقهاء الأمة.
فظهر الاعتزال لكن سرعان ما تصدى له الفقهاء، إضافةً إلى أنه لم يلقَ رواجًا شعبيًّا، لكنهم بعد ذلك تبنوا عقيدة الأشاعرة كرد فعل تجاه المعتزلة فانتشرت الأشعرية، وكان مما ساعد على انتشارها أيضًا صبغها بصبغة أهل السنة والجماعة في محاولة للتصدي لأفكار المعتزلة فكان أن أصبحت عقيدتهم مقدسة كقداسة النص الشرعي لا يمكن معارضتها بوجه من الوجوه، وكانوا هم وسطاء ملقنين وكان الناس مقلدين لهم مقدسين لكتاباتهم كما حصل مع الغزالي، وبخاصةٍ مع مؤلفه “إحياء علوم الدين”.
كان ذلك فيما يخصُّ المدرسة الكلامية، وأما المدرسة الفقهية فقد دخلتها الوساطة أيضًا من خلال التقليد، فتم حصر القدرة على الفهم والاستنباط في فئة معينة من العلماء والأئمة وما سواهم هو مقلد لهم متعصب لآرائهم مغيِّب لعقله ولملكة النقد والاجتهاد عنده واضعًا بينه وبين النص الشرعي حاجزًا هو قول أبو حنيفة أو قول مالك أو الشافعي أو غيرهم، بل وذهب الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك في بدايات القرن الثامن الهجري فيما يُسمى بمرحلة دور المقلد المحض، وذلك أن الوساطة انتقلت من مجرد تقليد الإمام المجتهد إلى تقليد فقيه المذهب يعني إلى تقليد المقلِّد أصلًا.
وكما شهد القرن الرابع بداية الوساطة الكلامية والفقهية كذلك شهد نوعًا آخر وهو الوساطة الصوفية، فظهر فيه القول بالأقطاب، والقطب هو رأس العارفين الذي لا يساويه في مقامه أحد، وقد قيل في هذا المصطلح أقوال ما أنزل الله بها من سلطان، فصار القطب وسيطًا بين المريد وهو التلميذ وبين الله سبحانه، ولا يمكن للمريد أن يصل بغير شيخه أو بغير القطب، وذلك لما يتميز به من إلهام ورؤى تعرض له وعصمة يتمتع بها، حتى كان القرنان الخامس والسادس حين نضج السلوك الصوفي على يد أبوحامد الغزالي وصار إحياء علوم الدين منهجًا ومصدرًا تشريعيًّا لمن يريد الوصول.
ولم يكن علماء السنة بمعزل عما يحصل فهيأ الله لهذه الأمة في القرن السابع سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام، وفي القرن الثامن تقي الدين ابن تيمية وأبو إسحاق الشاطبي.
الفكرة من كتاب التوحيد والوساطة في التربية الدعوية
هناك فوارق لطيفة دقيقة للغاية لا ينتبه لها معظم الخلق وتختلف أهميتها باختلاف عواقبها، ونحن هنا أمام فارق دقيق في عملية التربية الدعوية لا يُدرك أثره لمن لا يعلمه ابتداءً إلا بعد أن يقطع شوطًا في التربية فيُفتح عليه فيستدرك كما حصل للكاتب في بعض أمره.
بين التربية والوساطة، وبين التكوين والتلقين، وبين الإعداد والتقليد، هذا البون الذي يعرفنا عليه الكاتب مبكرًا للبعض وربما متأخرًا عند البعض الآخر، هذا البون هو ما يتمايز به القاصدون في النهاية، وربما مبكرًا!
مؤلف كتاب التوحيد والوساطة في التربية الدعوية
الدكتور فريد الأنصاري: وُلد في المغرب وعمل في مجال الدعوة الإسلامية، مدارسةً وتطبيقًا، ولم يحُل ذلك بينه وبين الابتلاء كعامة عباد الله ممن يختارهم الله لهذا، لحكم ومقاصد شتى، فصارع المرض وصارعه المرض حتى غلبه بمستشفى إستانبول بتركيا، ثم نُقِل إلى مسقط رأسه ليُدفن هناك.
له العديد من المؤلفات في مجال الدعوة، ومنها:
مجالس القرآن في ثلاثة مجلدات.
الفطرية، بعثة التجديد المقبلة: من الحركة الإسلامية إلى دعوة الإسلام.
الدين هو الصلاة، والسجود لله باب الفرج.