تعاقب مركزية السلطة ولا مركزيتها
تعاقب مركزية السلطة ولا مركزيتها
ظل النظام المركزي لإدارة الأراضي قائمًا منذ شروق شمس الإسلام على مصر حتى انهار بشكل كامل خلال فترة حكم الخليفة الفاطمي المستنصر، وبهذا الانهيار للسلطة المركزية زادت الضرائب وزاد الفلاحين فقرًا، إلى أن جاء “الوزير الأفضل”، وأعاد النظام المركزي إلى الإدارة الزراعية مرة أخرى وأرسل مندوبيه إلى مُلاك الأراضي يطالبهم بالسندات القانونية التي تثبت ملكيتهم للأرض، ومن لا يستطيع أن يقدم أي دليل على ملكيته للأرض كانت تفرض عليه الضرائب إثباتًا وتأكيدًا لملكية الدولة للأرض وسيطرتها عليها، وخلال فترة حكم الأيوبيين تم إدخال نظام الإقطاع، واستمر هذا النظام خلال فترة حكم المماليك، وفي عهد السلطان محمد بن قلاوون تم إعادة فحص ملكية الأراضي مرة أخرى، وقام بالاستيلاء على الأراضي المغتصبة وأعادها إلى ملكية الدولة، وتراخت القبضة المركزية بعد ذلك للمرة الثالثة خلال حكم المماليك الشراكسة، وانتشر الوقف على الأراضي الزراعية حتى بلغ قرابة خُمسي الأراضي!
عندما دخل العثمانيون مصر اعتبر الحكام العثمانيون أن جميع الأراضي ملك للدولة، وبناءً على ذلك فإن من يملك مستندًا قانونيًّا لملكية أرض من الأراضي فإن الأرض ملكه، ومن لا يملك سند ملكية فالأرض تعد ملكًا للدولة، وبالتالي قاموا بإعادة مسح الأراضي وفحص مستندات الملكية لإعادة الأراضي المغتصبة مرة أخرى للدولة، وتم بذلك إعادة فرض سلطة الدولة المركزية من جديد، كما قام السلطان العثماني “محمد الثاني” بإصدار فرمان يعتبر أن جميع الأراضي الزراعية لا يسري عليها الأوقاف الخيرية والأهلية والدينية، وبالتالي تعد ملكًا للدولة، وفي بداية النصف الثاني من القرن السادس عشر كان النظام العثماني ينصُّ صراحةً على ملكية الدولة لجميع الأراضي ما لم يقم أي دليل قانوني على ملكية أيٍّ من الأشخاص لأي منها.
الفكرة من كتاب فلاحو الباشا.. الأرض والمجتمع والاقتصاد في الوجه البحري (1740 – 1858)
يعدُّ هذا الكتاب محاولة لقراءة الريف المصري في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من خلال الحياة الاجتماعية والاقتصادية مستبعدًا النظرة التقليدية التي تجعل تاريخ مصر الحديث يبدأ من أحداث الحملة الفرنسية وتولي محمد علي الحكم، تلك النظرة التي تضع حدًّا فاصلًا بين العصرين العثماني والحديث لمصر، فقد اعتاد الباحثون تقسيم نشأة الريف المصري إلى ما قبل الحملة الفرنسية وتولي محمد علي الحكم وما بعدهما، حيث يرون أن مصر كانت في نوم عميق وقامت صحوتها على يد محمد علي باشا، وبالتالي فإن نظرة الكتاب لا تفصل بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بل تقرأ تلك المرحلة في سياق زمني متصل بالماضي، وذلك من أجل الوصول إلى إجابة سؤال: هل كانت النهضة والصحوة المصرية لها إرهاصات سابقة على محمد علي أم لا؟ كما يذهب إلى إمكانية فهم التطورات التي حدثت في القرن التاسع عشر من خلال ماضي مصر نفسها.
مؤلف كتاب فلاحو الباشا.. الأرض والمجتمع والاقتصاد في الوجه البحري (1740 – 1858)
كينيث م. كونو Kenneth M. Cuno، هو مؤرخ أمريكي، يعمل أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة إلينوي الأمريكية، له العديد من الكتب التي تسلِّط الضوء على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي للشرق الأوسط.
معلومات عن المترجمة:
سحر توفيق هي مترجمة ومؤلفة وروائية وكاتبة قصة قصيرة، درست اللغة والأدب العربيين، وعملت في تدريس اللغة العربية بمصر والمملكة العربية السعودية.