تطويع الطبيعة
تطويع الطبيعة
كان ظهور الزراعة إيذانًا بظهور الطبقية والتقسيم غير العادل للثروات، واندلاع الحروب، وكانت بداية سعي الإنسان إلى تغيير البيئة من حوله ونقل محاصيل إلى أماكن جديدة، والتخلُّص من كل ما يعوق زيادة المحاصيل.
إبان الحلم الأمريكي في التوسُّع غربًا، اتجه الناس إلى زراعة القمح بمساحات هائلة، ومُزِّقت التربة أكثر وأكثر بالمحاريث الجديدة، وفجأة توقَّف المطر وجفَّت التربة، فماتت الجذور التي كانت تمنع انزلاق التربة السطحية، فتحوَّلت التربة إلى غبار التقطته الرياح لتكوِّن عواصف غبارية لا مثيل لها غطَّت مدنًا بأكملها، وسُمِّيت “بالعواصف السوداء” التي حجبت نور الشمس وعاقت الرؤية وخنقت الهواء، استمر الجفاف والعواصف الترابية مدة عقد كامل من الزمن، واضطر ملايين السكان إلى النزوح، ولم تتعافَ بعض المساحات من الجفاف حتى الآن!
ارتأى بعض الناس أن يقوموا بزراعة القطن في الصحراء، فقاموا بتحويل مجرى النهرين اللذين كانا يصبَّان في بحر آرال، الحقيقة أن الخطة حقَّقت نجاحًا جزئيًّا، ولكن بعد أن امتصَّت رمال الصحراء نحو 75% من مياه النهر قبل الوصول إلى هدفها، جفَّ البحر وتحوَّل إلى عدة بحيرات صغيرة متفرِّقة بعد أن فقد 80% من المياه، فارتفعت كثافة الملح فيه إلى عشرة أضعاف، ما أدَّى إلى موت كل الكائنات البحرية فيه وتدمير صناعة الصيد، كما ارتفعت نسبة الملوِّثات والسموم التي التقطتها الرياح لترفع من نسبة الأمراض التنفسية.
فاقت دوافع الصناعةِ الزراعةَ في آثارها المدمرة، فلم نجعل الأنهار تختفي وحسب، بل جعلناها تحترق! فقد اشتعلت النيران بمياه نهر كوياهوغا ما لا يقل عن 13 مرة خلال القرن الماضي، استمر أحدها 5 أيام في محاولات إخماده، بسبب ارتفاع نسبة التلوث فيه ونفايات المصانع وتسريبات النفط، فقد كان رمي النفايات في أي مكان دون تفكير في العواقب، مثالًا حيًّا على رغبة البشر في تطويع كل شيء بلا مبالاة عجيبة، كما يحدث في مقبرة غويا الصناعية في الصين والأدخنة السوداء السامة المنبعثة منها ليل نهار، ودوامة القمامة الكبرى في المحيط الهادئ.
الفكرة من كتاب البشر.. موجز تاريخ الفشل وكيف أفسدنا كل شيء
“لقد وضعت كتابي هذا لأحكي فيه عن البشر وقدرتهم العجيبة على تخريب كل شيء، عن كل لحظة امتلأنا بها فخرًا لكوننا بشرًا أمام عمل فني لا يضاهى، أو إنجاز علمي تفوَّقنا به على أنفسنا، بينما الحسرة واليأس يملآن قلوبنا لأجل كل تلك الحروب والتلوث الذي لا يضاهيه شيء”.
يتحدث هذا الكتاب عن أخطاء البشر على مدى التاريخ، في كل المجالات؛ سواء البيئة والسياسة والحروب والتكنولوجيا، فقد كانت الأسباب التي جعلتنا قادرين على تحقيق أعظم الإنجازات من قدرة على التحليل والتخيُّل ورغبة في المعرفة، هي نفسها الأسباب التي أفسدنا بها كل شيء، فالبشر كانوا ولا يزالون يعانون قصر النظر، وعدم القدرة على التنبؤ الدقيق بمآلات أفعالهم، ومع التطور التكنولوجي الهائل الذي صحبه معدل تغير سريع للغاية في الأحداث، كان من الصعب مواجهة تلك المشكلة التي تفاقمت بالفعل، ففي عالم اليوم هناك شيء ما يحدث لأول مرة كل يوم.
مؤلف كتاب البشر.. موجز تاريخ الفشل وكيف أفسدنا كل شيء
توم فيليبس Tom phillips: صحفي ومؤلف، وهو محرِّر منظمة Full Fact، وهي مؤسسة خيرية مستقلة لمراجعة الحقائق في المملكة المتحدة، شغل سابقًا منصب مدير التحرير في BuzzFeed UK، كما عمل أيضًا مع MSN وMetro، وفي تطوير التلفزيون.
من كتبه ومؤلفاته:
الحقيقة.. لمحة مختصرة عن تاريخ الهراء.
البشر.. موجز تاريخ الفشل وكيف أفسدنا كل شيء.