تطور ثقافة الاستهلاك
تطور ثقافة الاستهلاك
كانت الصين وحتى منتصف الثمانينيات أشبه ببلد مقفر، فقلما تجد فيه تشكيلة متنوعة من السلع والخدمات، وكان يُدرس للأطفال في المدارس الصينية مساوئ استخدام السيارات عوضًا عن الدراجة كمثال على خطورة ثقافة الاستهلاك تبعًا للنمط الغربي بدعوى زيادة معدلات الحوادث والتلوث وزيادة الطلب على موارد الطاقة، كان هذا المثال يوضح عمق المشكلة الثقافة الخاصة بالاستهلاك التي كانت مسيطرة على المجتمع الصيني قبيل إجراءات الإصلاح الاقتصادي.
ولكن مع بَدء إجراءات النهضة الاقتصادية كان لزامًا تحويل تلك الثقافة الاستهلاكية من استخدام الدراجة إلى السيارة، أو بمعنى آخر تحويل الطابع الاستهلاكي المحلي إلى نظيره الغربي خصوصًا مع الموافقة على شروط الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، حيث كُسِر قفل باب العزلة وتم فتح الباب على مصراعيه أمام غزو المنتجات الغربية للأسواق الصينية، وبدأت تتغير المناهج الصينية في المدارس لتشجيع ثقافة الاستهلاك وخلق طلب محلي ضخم يدعم إقامة صناعات محلية كبيرة، وفي الوقت نفسه يغري الشركات العالمية بإقامة مصانعها داخل الصين الشعبية.
تنامى الاستهلاك المحلي الصيني بوتيرة غير مسبوقة، وبدا أن ما احتاجه الأمريكيون والأوروبيون من عقود هضمه الصينيون في سنوات معدودة، فعلى سبيل المثال: قطاع مثل مستحضرات التجميل الذي كان يُنظر إليه بعين الريبة لمصادمته الفلكلور المحلي زادت مبيعاته من 24 مليون دولار إلى 168 مليار دولار على مدى ثلاثة عقود، وبالجملة فقد زادت معدلات الإنفاق الحكومي لتصل إلى أربعة تريليونات دولار، وتبعًا لذلك تحلَّت البلاد برونق جديد تمثَّل في حزمة إجراءات أسهمت في تغيير وجه البلاد، حيث أقيمت ناطحات السحاب وشبكات الطرق ومحطات الطاقة، وأقيمت المصانع فأسهمت طاقتها الإنتاجية في إشباع الأسواق الغربية بالمنتجات الصينية الرخيصة، وأصبح المستهلكون الغربيون مثقلين بالديون وأقل قدرة على دفع فاتورة نمط استهلاكهم.
الفكرة من كتاب على خطى الصين يسير العالم
الصين اليوم ليست هي الصين بالأمس، فتجربتها تحتوي على فوارق تاريخية دقيقة، وعلى ذلك فهذا الكتاب يوفر لنا كنزًا من المعلومات في صورة سهلة الاستيعاب ومثيرة للاهتمام حول ما أسهمت به إجراءات الإصلاح الاقتصادي من تغييرات جذرية في المعادلة المجتمعية في الصين.
مؤلف كتاب على خطى الصين يسير العالم
كارل غيرث Karl Gerth: كاتب وخبير في مجال النظم الاستهلاكية الصينية، حصل على دكتوراه الفلسفة من جامعة هارفارد، ويعمل أستاذًا للدراسات الصينية في جامعة أكسفورد، كما حصل على العديد من الجوائز البحثية من مؤسسة فولبرايت الأمريكية والأكاديمية البريطانية ووزارة التعليم اليابانية، ويشغل حاليًّا منصب الرئيس المشارك لفريق الصين بمشروع ceres 21 الذي يدرس عملية التكيف الإبداعي في صناعتي السيارات والطاقة مع التغيرات المناخية في ثلاث قارات برعاية مجلس البحوث النرويجي.
له العديد من الكتب منها:
الرأسمالية التي لا تنتهي.
ثقافة المستهلك وخلق الأمة.