تصور عام
تصور عام
بدايةً، علينا أن نفهم هذا المصطلح لنفهم دلالاته وإسقاطاته، المَاجَرَيَات مصطلح مركب من: ما بمعنى “الذي” وجرى بمعنى حدث ووقع، ثم جُمع وأدخل عليه (ال) التعريف، وشاع استخدامه بين الأدباء والمؤرخين وعلماء المسلمين في التعبير عن الأحداث والوقائع التي ينشغل بها المسلم بغير نفع ولا فائدة، ويتم تداولها في المجالس من قيل وقال وتناول لأخبار السلطة والسوق والناس ترفيهًا لأنفسهم أو مباسطة لمن حولهم، فتناولوا هذا المصطلح في مواعظهم محاولة منهم لتهذيب هذا الانشغال، واستغلال طاقة التفكير المحدودة في مصالح الدنيا والآخرة، خصوصًا بعد انشغال جمع كبير من طلبة العلم بها.
مهما كان النطاق والحيز الذي شغلته المَاجَرَيَات في تلك الأزمنة، فلن يكون شبيهًا بزماننا المنفتح بشكل مجنون بواسطة الإنترنت على كل شيء، العجيب أن تعرف أنه عام ١٩٩٦ عُرضت دراسة من قِبل متخصصة نفسية أمريكية بعنوان “إدمان الإنترنت: ظهور اضطراب عيادي جديد”!
والإدمان المقصود هنا هو إدمان المحتوى الذي تقدمه المواقع المتشابكة والمتصل بعضها ببعض، لا تكاد تدخل إلى موقع حتى يجرك إلى آخر، وهكذا تمضي الساعات وتفقد الإحساس بالزمن، وتضيع المهام وأنت تتنقل هنا وهناك بغير هدف محدد.
نعم، قد يكون هذا التنقل العشوائي ضارًّا على مستويات عدة، لكن أن تصل متابعة المَاجَرَيَات والأحداث والأخبار بشكل عام إلى الإدمان والضرر!
الأمر يبدأ بمتابعة الخبر فقط كما كنا نتابع في البرامج الإخبارية والحوارية على شاشات التلفاز في ساعة معينة، ثم بسبب ما تتمتع به شبكات الانترنت ووسائل التواصل اليوم من إتاحة التفاعل بين المرسل والمستقبل، أصبحت متابعة المَاجَرَيَات كمسلسلٍ لا نهائيٍّ من التعليقات، والتعليقات على التعليقات كما يعبر الكاتب، مع التعصب لتعليقات الموالين والهجوم على تعليقات الخصوم بغير تثبت من الحقيقة غالبًا وبغير مراعاة للوقت، وهذا في حق الإنسان ظاهرة ينفر منها أصحاب العقول، وهي في حق طلاب العلم والمشتغلين بالثقافة الجادة أشنع وأشد ضررًا وأثرًا، فهي تأكل أوقاتهم أكلًا وتصيبهم بالفتور وقلة الصبر والكسل عن إتمام مجلد أو بحث، كما أنها تشعرهم بوهم الإنجاز والعمل، إذ يظن الواحد بمتابعته التفصيلية لتلك الأحداث وانخراطه فيها أنه أدى عملًا وأحدث تأثيرًا، وما قام بشيء يُذكر في الحقيقة.
الفكرة من كتاب المَاجَرَيَات
بلهجة الناصح، وبأسلوب المنطق، وبالنماذج الواقعية التفصيلية، ينبه الكاتب بشكل خاص طلاب العلم ويهمس في آذانهم، أن حذارِ أن تضيعوا أوقاتكم وأعماركم على أرصفة المَاجَريات، وإن أردتم عملًا جادًّا وتأثيرًا حقيقيًّا وإنجازًا يُذكر فهَاكُم نماذج مساعدة!
مؤلف كتاب المَاجَرَيَات
إبراهيم السكران: تحول من الليبرالية إلى السلفية، باحث ومفكر ومحامٍ سعودي، لم يكمل العام في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن حتى غادرها إلى كلية الشريعة، لينال درجة الماجستير في السياسة الشرعية متوجهًا بعدها إلى بريطانيا، لينال أيضًا درجة الماجستير في القانون التجاري الدولي. له العديد من المقالات والمؤلفات، منها:
مسلكيات.
مآلات الخطاب المدني.
سلطة الثقافة الغالبة.