تشكُّل الرأسمالية المعاصرة
تشكُّل الرأسمالية المعاصرة
الرأسمالية أشبه ما تكون بالحرباء، فهي تتلوَّن وفق الوقائع والأحداث لتتكيف مع الواقع، وما يميزها أنها لا تتصف بالجمود، فهي دائمًا في تغير مستمر، ولقد مرَّت بثلاث مراحل عبر تاريخها، أولاها مرحلة الفوضى الخلاقة، وقد كانت تلك المرحلة في بدايات الرأسمالية حيث كانت تنمو بعشوائية مضطردة، فزادت الإنتاجية وتنقل العمال بحرية بين الصناعات المختلفة واشتدَّت حمَّى المنافسة بين المشروعات، إلا أن هذه الفترة كانت أشبه بمسرحية دون سيناريو مكتوب، فلم يكن ثمة خيط يربط بين تلك الوحدات الاقتصادية، فلم تدخل الدولة لتنظيم المشهد العام ولم يكن العمال قد انتظموا بعد في نقابات عمالية تحفظ حقوقهم، ولكن تميَّزت تلك الفترة ببدء انطلاق المحاولات من أجل إعادة ترتيب المشهد من كل القوى الاقتصادية مجتمعة.
أما المرحلة الثانية فهي الرأسمالية المنضبطة، وفي تلك المرحلة تمت كتابة السيناريو للمسرحية! إذ تمت إعادة تشكيل الساحة الاقتصادية من قِبل الأطراف الفاعلة، فانتظمت الأسواق، وأُنشئت النقابات العمالية، وتدخَّلت الدولة لتقنين الأوضاع، وظهرت المشروعات الكبيرة عبر اندماج الوحدات الإنتاجية الصغيرة، كما ظهرت التجارة الدولية وما تبعها من السياسات التجارية للدول المختلفة، وبدا أن عصرًا جديدًا من الرأسمالية قد انطلق، ورغم التحديات العصيبة التي واجهتها في تلك الفترة التي امتدت إلى سبعينيات القرن الماضي فقد حافظت على نمو مضطرد في الإنتاجية الرأسمالية، كما اكتسبت بعض المناعة التي مكَّنتها من تجاوز الأزمات الاقتصادية المختلفة.
وتأتي المرحلة الثالثة متمثلةً في رأسمالية السوق، إذ يبدو أن المناعة المكتسبة لم تفلح في إنقاذ الرأسمالية المنضبطة، حيث بدأت رحلة السقوط المدوي في عقد الستينيات من القرن الماضي كنتيجة لفشلها في التعامل مع الأزمات المتلاحقة، وبذلك تدخل القصة فصلًا آخر أشد تحررًا أو ربما توحشًا، فهي لم تخرج فقط عن دورها المكتوب في المسرحية الاقتصادية، بل عمدت إلى كتابة مسرحيتها الخاصة! حيث أفلتت الرأسمالية من قوانين الدولة المنظمة للنشاط الاقتصادي، وعادت إلى قوانين السوق، وبرزت قوى الخصخصة، وتم تقييد الاتحادات التجارية والنقابات العمالية، وتم التحول طوعًا أو كرهًا إلى الليبرالية الجديدة.
الفكرة من كتاب مقدمة قصيرة عن الرأسمالية
“يعدُّ البحث عن بديل للرأسمالية من قبيل العبث، فالرأسمالية سيطرت على العالم بصورة نهائية!”.. يتتبَّع المؤلف مراحل تكوُّن الرأسمالية بدايةً من نشأتها، ومرورًا بتطوُّرها وصورها المختلفة، وصولًا إلى شكلها المعاصر، وكيف غزت العالم أجمع، موضحًا بأمثلة عملية كيفية التأثير المتبادل بين الرأسمالية والنظم الاجتماعية المختلفة.
مؤلف كتاب مقدمة قصيرة عن الرأسمالية
جيمس فولتشر James Fulcher: أستاذ علم الاجتماع بجامعة ليستر، وهو أكاديمي متعمق وباحث متخصص في دراسة النظريات الاجتماعية، والأنظمة الاقتصادية،
ومن مؤلفاته:
علم الاجتماع.
الحركة العمالية.
أصحاب الأعمال.