تشريفُ مُكلِّف
تشريفُ مُكلِّف
تظهر الرجولة جليَّة في شعائر الله (عز وجل)، وفي أدائها تمام الأداء، كالشهادة التي تحفظ الأموال والحقوق، فيقول تعالى: ﴿وَٱسۡتَشۡهِدُوا۟ شَهِیدَیۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ﴾، فلفظ “واستشهدوا” إشارة لتخيُّر الشاهدين، واختيار من يقدر على تحمُّلها وأدائها، ومن تمام الرجولة رفضه لأي تأثير قد يؤدي إلى أي ضرر بالشهادة.
ومن الشعائر التي خصَّها القرآن للرجل الحق، القوامة وحُسن التبعُّل، فيقول الله تعالى: ﴿ٱلرِّجَالُ قَوَّ ٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَاۤءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ وَبِمَاۤ أَنفَقُوا۟ مِنۡ أَمۡوَ ٰلِهِمۡۚ﴾، وبهذا التفضيل والتشريف يأتي التكليف والقيام بالأمانة، وفي لفظ “قوَّامون” دلالة على المبالغة، فيقوم الرجل بالنصح لأهله، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المُنكر، وتدبير شؤونهم، والقيام على مسؤوليتهم من حفظ وشفقة وحماية، وتأديبهم بالحكمة والموعظة الحسنة.
فهذه القوامة دائمة ومستمرة، وسببها كما بيَّنت الآية “بما فضَّل الله بعضهم على بعض”، وذلك بسبب تفضيل الله (عز وجل) جنس الرجال على جنس النساء من قوة الجسم، وزيادة العلم، وتحمُّل أعباء الحياة وتكاليفها، ونعني هنا “تفضيل جنس”، أي لا تفضيل آحاد على آحاد، فقد يوجد نساء أقوى وأعقل من رجال.
أما السبب الآخر فهو سبب كسبي “وبما أنفقوا من أموالهم”، وذلك لأن الرجل قد كُلِّف بالنفقة، فهو يشقى ويخرج من بيته ليوفِّر لها الأمان والرعاية لتبقى في بيتها تحفظه.
وعلى الرغم من عظم مسؤولية القوامة، فإن الله (عز وجل) خلق قدرات الرجل لتتناسب مع هذا الدور الجليل، فالرجل الحق قادر على تحمُّل المسؤوليات، وقادر على تحمُّل أعباء الحياة.
الفكرة من كتاب معالم الرجولة في القرآن الكريم
خلال التغيُّرات الثقافية التي تتعرَّض لها المجتمعات تبرُز قيم وتختفي أُخرى، وقد يكون من تلك القيم التي بدأت في الاندثار قيم لا تصلح المجتمعات إلا بها؛ قيم مركزية لها أصالتها ووزنها الحقيقي في السواء المجتمعي وصلاحه.
ومن بين تلك المعالم والأخلاق الإسلامية؛ الرجولية، هذه الصفة الجامعة لمعاني العزَّة والاحترام والأداء العميق للواجبات وتحمُّل أعباء الحياة، هذه الصفة التي لا يكون بها صلاح الفرد والمجتمع فحسب، بل تكون بها عزَّته، وصار ذا منعة وبأس، لذا كان لا بد أن نُعيد فهمنا لهذه الخصلة العظيمة، لنُعيد إحياءها بشكل بارز في مجتمعاتنا الإسلامية.
في كتابنا يُقدِّم لنا بحثًا شاملًا عن معاني الرجولة في القرآن الكريم، وذلك بتتبُّعه للآيات التي ذُكر فيها كلمة “رجل” وما يتصل بها، ليُقدِّم لنا نتيجة بحثه في معاني الرجولة في القرآن الكريم.
مؤلف كتاب معالم الرجولة في القرآن الكريم
عبدالكريم صالح: وُلد عام 1956م بمصر، يعمل حاليًّا أستاذ التفسير وعلوم القُرآن بكلية القرآن الكريم ورئيس لجنة مراجعة المصحف الشريف بالأزهر، له عدد من البحوث والمؤلفات منها:
إشراقات في توجيه ومعاني القراءات.
مناسبة أوائل السور بأواخرها.
يوم الفرقان في ضوء القرآن.