تسليع الفكرة
تسليع الفكرة
وبناءً على كل ما سبق وبحكم البيئة التنافسية التي تتخلَّق بين هذه المراكز وخضوعها لسياسات سوق العمل تتحوَّل الأفكار من خلالها شيئًا فشيئًا إلى سلع تباع وتشترى، وشأنها في ذلك شأن أي سلعة أخرى خاضعة لقوانين العرض والطلب ومحكومة بها.
فنجدها على اختلاف مشاربها تسعى في اتجاهات رئيسة مستخدمة تقنيات متنوعة للترويج لنفسها، فالمراكز ذات النفوذ تسعى للوصول المباشر إلى أصحاب القرار وتقديم أفكارها كسلع حقيقية في هيئة نصائح حصرية وملحوظات خاصة!
ومنهم من يعتمد على لعبة الإعلام لعرض أفكاره “المسلَّعة”، وذلك بالمشاركة في الندوات والاستعانة بالصحافة وباستغلال شتى فرص وأنواع الظهور الإعلامي للحصول على موطئ قدم في الساحة.
غير أن الظهور الإعلامي لشريحة واسعة من الجماهير تختلف أنماطه باختلاف نماذج مراكز الفكر، فنجد أن المراكز التي تهتم وتعتني به تعرف باسم “مراكز الدفاع”، وهي مراكز لا تسعى لجعل أفكارها مقبولة لدى النخب الحاكمة فقط، إنما تفضل تقريبها إلى فئة كبيرة من الجماهير لقبولها ودعمها وتثبيتها.
ولأن أغلب هذه المراكز ولدت على أنقاض الأزمات فإنها تأخذ في بداياتها طابع الإصلاح والتوجيه ثم تنحرف توجهاتها، وبخاصةٍ تلك المراكز التي تأسَّست بموجب عقود مع مؤسسات سياسية أو عسكرية، كجمعية “رند” التي تأسَّست عام 1946 من قبل القوات الجوية الأمريكية، فكانت بمثابة مختبر فكري يموَّل من قبل العسكر في مقابل تقديمه حلولًا علمية وتربوية تهدف إلى رفع مستوى الأمن والرفاه في الولايات الامريكية المتحدة.
إضافةً إلى استجابة هذه المراكز إلى الانقسامات السياسية وتغيير توجهاتها واصطفافاتها الحزبية بتغيير المصلحة ومصدر التمويل، فكل هذا قد يبدو في ظاهره عملًا فكريًّا صرفًا إلا أنه وجه من وجوه تحوُّل الأفكار في مرحلة ما إلى بضائع قابلة للتبخيس والبيع.
الفكرة من كتاب مراكز الفكر – أدمغة حرب الأفكار
كانت الأفكار ولا تزال محرك التاريخ الإنساني في مختلف مجالاته وفنونه، ومؤثرًا محوريًّا في شتى ظواهره وشؤونه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية والثقافية والدينية، حتى بلغ تأثيرها أبواب المختبرات والمجامع العلمية، عدا أنها كانت محركًا لحروب عدة ونزاعات دامية دامت سنواتٍ وعقودًا، فحكمت بطي صفحات من التاريخ وابتداء أخرى.
وسنجد في هذا الكتاب حديثًا مشابهًا عن أهمية الفكرة في إدارة الصراع؛ وكيف استفادت كثير من الدول الأوروبية من الأفكار؟ وكيف استطاعت من خلالها تغيير مسارات التاريخ مرات عديدة؟ وكيف تحوَّلت إلى مراكز ومؤسسات قائمة بذاتها تستقطب أطراف الصراع والتمويل، وتسوس القرار وتوجه مؤسسات المجتمع.
مؤلف كتاب مراكز الفكر – أدمغة حرب الأفكار
ستيفن بوشيه: مدير مساعد “Notre Europe”، وهو مركز فكر متخصِّص بالمسائل الأوروبية، وقد عمل مستشارًا لدى وزيرة النقل البلجيكية، ومستشارًا لأروقة الضغط في بروكسل ولندن، وأستاذًا محاضرًا في معهد العلوم السياسية في باريس.
مارتين رويو: صحفية اقتصادية، تعاونت مع وكالة الصحافة الفرنسية ومع “Nouvel Economiste” كرئيسة للقسم الخارجي ومراسلة، إضافة إلى عملها منسقة أعمال القطاع الفرنسي في منظمة العفو الدولية في البلقان.
معلومات عن المترجم:
ماجد كنج: مترجم، وله عدد من الكتب المترجمة الأخرى، ومنها: “مصادر الطاقة المستقبلية.. الهيدروجين وخلايا الوقود والتوقعات لكوكب أنظف” من تأليف: بيتر هوفمن.