ترويض الشعوب
ترويض الشعوب
تكتسب الحكومات شرعيتها من رضا المحكومين وحتى في أعتى النظم الديكتاتورية يتطلَّب الأمر الحصول على حد أدنى من موافقة جموع الشعب المحكوم أو على الأقل الاستحواذ على رضا ثلة منهم، فعلى مدى التاريخ تنبع السلطة الحقيقية من المواطنين، فلو أدرك المحكومون مدى قوتهم جيدًا لأطاحوا بعروش الاستبداد إلى مزابل التاريخ، ولكن يكمن السر في انتهاج الحكومات عملية لهندسة العقول وتغييب الوعي المستمر لمواطنيها، وهذا النهج تمارسه حكومات الدول الأكثر حرية والأشد ديكتاتورية على السواء وإن اختلفت وسائلهم في ذلك الأمر، ولا يخلو الأمر أحيانًا من دغدغة مشاعر المحكومين وربما استحسن بعضهم ذلك، ففي النهاية يرغب الجميع في رؤية أنفسهم بمثابة الموجهين للأمور حتى وإن كانوا في الحقيقة مجرد عرائس شمع.
فالديمقراطية مسموح بها فقط في الحدود التي لا تهدِّد مصالح طبقة النخبة من السياسيين والرأسماليين وأصحاب المصالح، وفي سبيل انتزاع موافقة الشعوب يتم اللجوء لاستخدام القوة الخفية وفرض الوصاية كلما أمكن ذلك، فالحكومات لا تتورَّع عن تمرير العديد من القوانين التي قد يرفضها الشعب بدعوى المصلحة العامة، أما إذا لم يكن هناك سبيل إلى اللجوء للقوة يتم إدارة الأمر بوسائل أشد مكرًا تتمحور حول صناعة الموافقة وخلقها عبر الهجمات المتتالية لتفكيك الرأي العام وتشكيله من جديد للسيطرة على عقل العامة، فالشعوب وحوش كاسرة، ولذا يجب ترويضها.
ولا يقتصر مبدأ الترويض على الشعوب الداخلية فقط، بل يتعدَّاه إلى خارج حدود الدولة بدعوى مسائل الأمن القومي الإقليمي، فالدول الكبرى لا ترغب في أي قلاقل إقليمية من شأنها أن تهدِّد مصالحها الخارجية، لا سيما مع انتشار موجات العولمة وذَهاب القوى العظمى إلى تقسيم الدول الأخرى إلى مناطق نفوذ سياسية واقتصادية وتبعًا لمبدأ تقسيم العمل تم خلق أدوار وظيفية للدول تخدم في مجملها مصالح الدولة صاحبة النفوذ، ولا تكف تلك الدول العظمى عن زعزعة استقرار تلك البلاد من أجل إعادة الاستقرار إلى مصالحها الخاصة.
الفكرة من كتاب الربح فوق الشعب
يستعرض هذا الكتاب جذور الرأسمالية والنظام العالمي الجديد، ويتناول الوجه المتوحش الجديد للرأسمالية المعاصرة وقادتها الجدد من الشركات الكبرى، كما يتعرض لهذا الزواج الكاثوليكي بين السياسة ورأس المال والأساليب المستخدمة لترويض الشعوب والسيطرة على الدول وفق أجندتهم الخاصة.
مؤلف كتاب الربح فوق الشعب
أفرام نعوم تُشُومِسْكِي: فيلسوف أمريكي، ولد في 7 ديسمبر 1928 فيلادلفيا، بنسلفانيا، تخرج تشومسكي في جامعة بنسلفانيا وحصل على درجة البكالوريوس في عام 1949 والماجستير في عام 1951، ومُنح درجة الدكتوراه في اللغويات من جامعة بنسلفانيا في عام 1955، وهو أستاذ لسانيات فخري في قسم اللسانيات والفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا التي عمل فيها لأكثر من 50 عامًا، بالإضافة إلى عضويته في كثير من الأكاديميات العلمية المرموقة كالأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، والأكاديمية الوطنية للعلوم والجمعية الأمريكية للفلسفة وغيرها، كما حصل على العديد من الجوائز، ففي فبراير 2008 حصل على الميدالية الرئاسية من جمعية الأدب والمناظرات في الجامعة الوطنية في أيرلندا في غالواي، وعلى جائزة إريك فروم عام 2010 في شتوتغارت في ألمانيا.
له مجموعة من المؤلفات أبرزها: “ماذا يريد العم سام” و”الدول الفاشلة – إساءة استخدام القوة والتعدي على الديمقراطية”، و”قراصنة وأباطرة – الإرهاب الدولي في العالم الحقيقي” و”النظام العالمي القديم والجديد”.